للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن ادعى الناظرُ العصمة، فهو ضمير الكفر (١)، ويكفي هذا المغرور اشتغال قلبه بمخلوق عن الخالق، قال حاكيًا عن ربه جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: «حرامٌ على قلبٍ، يسكنُه غيري أن يسكنه حُبِّي» (٢).

يا هذا، لو أحبك الله سبحانه لجمعك عليه، ولحبَّب إليك الطريق الموصلة إليه. كما قال بعضهم:

قل لمن أعرض عنَّا … إن إعراضك منَّا

لو أردناك لأضحى … كل ما فيك يردنا

ثم اعلم أيها المملوك! ما كلُّ أحد يصلح لمجالسة الملوك، ما كل بدن يصلح لخدمته، ولا كل قلب يصلح لمعرفته (٣)، فمن سلك الطريق، فهو مؤمن صِدِّيق، ومن خرج عنها، فهو قليل التوفيق، ومن جحدها فهو عبد زنديق، كمن ادعى الحقيقة ونبذ الشريعة.

وقد أجمع العلماء والأولياء أن كل حقيقة لا توافق الشريعة فهي زندقة، فمن قال: نحن رجال أصحاب أحوال، وهؤلاء الفقهاء أصحاب قيل وقال. تهاونًا بالشريعة المطهرة، يصير كافرًا، وما نال أحد شيئًا من الحقيقة، إلا ببركةِ دخوله في الطريقة؛ لأن الطريقة كالباب، والحقيقة كالمنزل. ولا يمكن الدخول إلى المنزل إلا من الباب (٤).


(١) (ضمير الكفر) كذا في النسخ.
(٢) في (ق): (تسكنه محبَّتي). وهذا الحديث القدسي لم نقف له على أصل، وإنما ذكره ابن الحاج في «المدخل» ٣/ ١١٦، فقال: وفي الحديث: «يقول الله تعالى: حرام على قلب سكنه حب غيري أن أُسكِنَه حبي». كذا ذكره، ولم يعزوه لأحدٍ!
(٣) في (ب): لمحبته.
(٤) إن كان يقصد بالطريقة: الطريقة المحمدية وهي اتباع الكتاب والسنة على منهج سلف الأمة وأئمة الدين، وبالحقيقة: التوحيد والإيمان واليقين والإخلاص والصدق مع الله تعالى؛ فهذا حقٌّ، فإن حقيقة التوحيد والإيمان لا تنال إلا من طريق ما جاء به النبي . وظننا في المؤلف أنه يقصد هذا المعنى الصحيح، أما الصوفية فلهم اصطلاحهم الخاص في استخدام كلمة (الطريقة) حيث تدل على منهج الشيخ الصوفي في تربية أتباعه على عقائد وممارسات الصوفية المبتدعة، يزيد فيها وينقص بما يوافق هواه، ويناسب البيئة التي يعيش فيها. أما (الحقيقة) فهي ما تقابل (الشريعة)، وهي في حقيقتها باطنية وزندقة تقتضي الاستخفاف بالشريعة والانسلاخ منها. (ت)

<<  <  ج: ص:  >  >>