للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [آل عمران: ٣١].

وفي آيةٍ أخرى: ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٨]، وقال سبحانه: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ [النور: ٥٤]، ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧].

فمن لم يتبع النبي في أفعاله وأقواله لا يصح منه دعوى المحبة، فإذا انتفت المحبة الرَّبانية تعيَّن أن تكون هذه الأفعال من حظوظ النفس وتسويل الشيطان وتمويهه؛ لأن علامة المحبة المبادرة إلى طاعة المحبوب، والمسارعة إلى كل ما يرضيه، والتَّحرز من أسباب سخطه.

وأمَّا من جهة العقل: فإنَّ أحدهم لو لم يكن محجوبًا بالهوى لاستفتى قلبه، وراجع عقله، ولو فعل لظهر له ببديهة عقله أن هذا الرَّقص الموزون، الموافق لتوقيعات الألحان، وآلات الطرب، ومراعاة التصنع في الحركات، يستقبح من النساء وأهل المجانة، فكيف يستحسن من أهل الزهد والمحبة والدِّيانة. فنعوذ بالله من مكابرة العقول، ومخالفة المنقول.

وأما فِعْل ذلك في المساجد فأشدُّ بلاءً؛ لما فيه من إظهار البدعة في بيوت الله تعالى؛ لأن المساجد ما بنيت إلا للصلاة ولذكر الله؛ قال الله تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ [النور: ٣٦]، وقد وجب تنزيهها من المباحات كالبيع والشراء، ونشدان الضالة، كما ثبت في الحديث الصحيح، وهو قوله لمن يبيع في المسجد: «لا أربح الله تجارتك». ولمن ينشد الضالة: «لا ردَّها الله» (١). فتنزيهها من البدع المستنكرة وإعلان المعصية بطريق الأولى.


(١) أخرجه الدارمي في «مسنده» (١٤٠١)، والترمذي في «جامعه» (١٣٢١)، والنسائي في «الكبرى» (١٠٠٠٤)، وابن خزيمة في «صحيحه» (١٣٠٥)، وابن حبان في «صحيحه» (١٦٥٠) من حديث أبي هريرة: أن رسول الله قال: «إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد؛ فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة فقولوا: لا رد الله عليك».
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (٥٦٨) (٧٩) مقتصرًا على إنشاد الضالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>