للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأفق من سكرتك أيها الإنسان، واعلم أن أهل السماع نزهوه عن حضور الفسقة والنسوان (١) والمردان. وشرطوا له المكان والإمكان والإخوان، وجميع هذه الأقوال والأفعال ليس لها أصل في الشرع، وما أنزل الله بها من سلطان. فلا تستبدل الهوى بالضلالة، والطاعة بالمعاصي والخسران، ونعوذ بالله العظيم من مكابرة العقول، ومخالفة المنقول، ومن تسويل النفس والشيطان.

فانظر رحمك الله تعالى إلى بعض أوصاف النفس الأمارة، ومن أصلح الله نفسه لا يفعل شيئًا يكرهه الشرع، ولا يختاره، ولا يسعى في رضى نفسه، ويخالف نبيه وأخباره (٢)، فمن أرضى نفسه أسخط خالقه؛ لرضاه عنها مع فعلها الأشياء التي هي غير لائقة.

ثم اعلم رحمك الله أن أصل كل معصية وغفلة وشهوة الرضا عن النفس، وأصل كل طاعة وعفة ويقظة عدم الرضا منك عنها؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ [يوسف: ٥٣]؛ ولأن يصحب الإنسان جاهلًا لا يرضى عن نفسه، خيرٌ له من أن يصحب عالمًا يرضى عن نفسه. وأي جهل لعبد لا يرضى عن نفسه؟ وأي علم لعالم يرضى عن نفسه؟

اخرجْ -رحمك الله تعالى- من أوصاف البشرية، عن كل وصف يناقض العبودية لتكون لنداء الحق مجيبًا، من حضرته قريبًا، أوحى الله تعالى إلى داود : يا داود، عادِ نفسك وودَّني (٣). وينبغي أن لا يركن المؤمن لنفسه أبدًا على طول المدى، ولا يغتر بصيامها وقيامها وتكمشها. فهي كالحية إذا أرادت أن تلسع أحدًا تكمشت.

فعدوك معك، فكن على حذر، اسأل الله تعالى اللطف في القضاء والقدر، فليس على العبد المؤمن أضر من نفسه، تراه يجتهدُ في خدمتها


(١) في (ط): النسوة.
(٢) في (خ): ويختاره.
(٣) ذكره إسماعيل حقي في «روح البيان» ٨/ ١٩٢، ٩/ ٣٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>