للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بكمالها، .. وترى بعضهم يثقب أنفه، وآخر يثقب إحليله، ومنهم من يتكبَّل بالسلاسل والحديد (١٣١)، ويقول: ونعوذ بالله من كل البدع والطغيان، ومن أخوة النسوان، ومرافقة المردان، والاشتغال عن الذكر والقرآن، بشيء من اللهو والهذيان؛ كالرقص على ضرب الدف والكف والغناء والألحان (١٣٢)، وينكر ما يفعله بعض العباد المتشبهين بأهل الجور والظلم والعناد في مكة خير البلاد: من أكل الوقوفات بغير حقٍّ، وتعطيل المدارس وسكناها بالأهل والأولاد (٦٢٧)، ويذكر التركماني أن مكة المشرَّفة ليست بمعدن لما يريده الإنسان من الكتب (٤٩٦)، ولعل أكثر ما ذكره من المنكرات هو مما شاهده في مكة، فقد ألَّف كتابه فيها، وما ذكره ابن بَيْدَكِينَ فقليل من كثير، وغيض من فيض، وقد سجَّل شيخُه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية (٧٢٨ هـ) وصفًا كليًّا جامعًا لحال الديار المقدسة في زمانهم، فقال:

«وأما سكان الحجاز: فأكثرهم أو كثير منهم خارجون عن الشريعة، وفيهم من البدع والضلال والفجور ما لا يعلمه إلا الله، وأهل الإيمان والدين فيهم مستضعفون عاجزون، وإنما تكون القوة والعزة في هذا الوقت لغير أهل الإسلام بهذه البلاد، فلو ذلت هذه الطائفة [يعني: أهل الشام في جهادهم ضد التتار] والعياذ بالله تعالى، لكان المؤمنون بالحجاز من أذل الناس، لا سيما وقد غلب فيهم الرفض ومُلْكُ هؤلاء التتار المحاربون لله ورسوله الآن مرفوض؛ فلو غلبوا لفسد الحجازُ بالكلية» (١).

سنعلو على عصر ابن تيمية وتلميذه قرنًا من الزمان ونيِّفًا لنقرأ شهادة صادقة لرحالة أندلسي ذُهل بما رآه في مكة من فساد الأحوال. إنه الإمام الصالح الجليل محمد بن أحمد بن جُبَير الكناني البلنسيُّ (ت: ٦١٤) (٢)، فقد حضر موسم الحجِّ لسنة (٥٧٩)، وكتب يقول:

«وأكثر هذه الجهات الحجازية وسواها؛ فرقٌ وشِيَع، لا دين لهم، قد


(١) «مجموع الفتاوى» ٢٨/ ٥٣٠.
(٢) هكذا وصفه الإمام الذهبي في «تاريخ الإسلام» ١٣/ ٤١٧ (٢٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>