للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: ٥٣] أي: أن القرآن حقٌّ. وقال: ﴿سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ [الأنبياء: ٣٧]، وبسط هذا له موضع آخر» (١).

بهذه الرؤية الإيمانية النافذة، والذَّوق الدِّينيِّ الحيِّ؛ يجبُ فهم سيرورة التاريخ الإسلامي وصيرورتها، والنَّظر إلى تقلُّباته، وتفسير ما عانى ويعانيه المسلمون من التفرق والضعف والجهل والتخلف وتسلط الأعداء، وبهذه القراءة لكتاب ابن بَيْدَكِينَ نستطيع أن ندرك ما كانت عليه حال الأمة في تلك الأزمان من ظهور البدع والمعاصي والمنكرات والمظالم، فكانت سنَّة ربانية أن تحيط بها الفتن والنوازل، لعل أفظعها سقوط بغداد عاصمة الخلافة العباسية سنة (٦٥٦ هـ)، على أيدي التتار والمغول، وتتابع الحملات الصليبية على بلاد الشام ومصر التي بدأت منذ سنة (٤٩٠ هـ)، وذهاب سلطان الخلافة وهيبتها، وانتهاء أمرها إلى قُوَّاد الجيوش من المماليك وغيرهم.

أما المدينة الطاهرة المقدَّسة مكَّة المباركة؛ فلم تكن الأوضاع الدينية والاجتماعية والسياسية فيها بأحسن حالًا من الحواضر الإسلامية الأخرى، وإن كان الله تعالى صانها من الاعتداء الخارجي، لكن ظهرت فيها منكرات عظيمة بسبب قلة أهل العلم وضعفهم، وفساد ولاة الأمر وبُعدهم عن حقائق الإسلام وأحكامه ومقاصده السامية، فلا عجب أن نجد ابن بَيْدَكِينَ قد ضاق صدره، وعظم أسفه على ما رآه من المنكرات في بيت الله الحرام، من ذلك: ما تبتدعه النسوة من السماع في مكة خير البقاع من غناء ورقص وضرب صدر وكشف قناع (ص: ٢٠٦)، والرقص والنطُّ والغناء في مسجد الخيف من منى (٢١٠)، وما يفعله بعض العوام من نكاح المتعة في طريق الحجاز إلى انقضاء موسم الحج (٣٠٥)، وبثَّ مُرَّ الشَّكوى مما يفعله بعض المبتدعة تبعًا لأشياخهم فيحلقون ذقونهم، ويوصلون شعورهم، ويكوون أبدانَهم ويوشمونَها، فينقش عليها اسم المحبوب، ثم يدخل السقاية بهذا المكتوب، ويقول: ولقد رأيت فقيرًا بمكة قد وشم على ساعده آية الكرسي


(١) «مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية» ١٣/ ١٧٧ - ١٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>