للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يدعي الفقر والدين، عملوا بحديث سيد المرسلين الصادق الأمين، وعلى أصحابه أجمعين، ما وقعوا في شيء من البدع وهو قوله: «تفقهوا ثم اعتزلوا» (١). كمن مضى من مشايخنا وسادتنا أجمعين، تفقهوا ثم دخلوا في العبادة، فوقفوا للعلم والعمل والزهد في الدنيا، فاستراحوا وأراحوا، واهتدوا بنور العلم وهُدوا، فكان قولهم يصدع القلوب، وزيارتهم تذكر بالله (٢) علام الغيوب.

وأهل البدع لما فاتهم نور العلم، وقعوا في ظلام الجهل، ففاتهم نور السنة ووقعوا في ظلام البدعة؛ فضلُّوا وأضلُّوا، وبجهلهم استدلوا، وقال هؤلاء المعتدون: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣] وجدوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون، فلو سمع أحدهم ألف حديث وكل آية، لم يخرجوا عن طريق آبائهم ومشايخهم إلا من أدركه الله برحمته، وأنقذه من البدعة والضلالة بقدرته، لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، ولأن البدع قد رسخت وطبعت على قلوبهم، وألفتها واستحسنتها نفوسهم. قال الله تعالى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا﴾ [فاطر: ٨].

كما قال بعضهم:

يا غاديًا في جهله ورائحًا … إلى متى تستحسن القبائحا

يا عجبًا منك وأنت مبصر … كيف تجتنب الطريق الواضحا

قال المولى: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٦]، فقد استحسنت البدع هذه الطائفة، ليس لها من دون الله كاشفة.


(١) لم أجده مرفوعًا، وإنما أخرجه الإمام أحمد في «الزهد» ١/ ٢٤٠ من قول مطرف .
قال العجلوني في «كشف الخفاء» (١٠٠٣): قال النجم: ليس بحديث.
(٢) في (ط): رؤيتهم تذكرنا الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>