للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأكثر ما يقع العباد في البدع من جهلهم وقلة علمهم، فيدخل عليهم الشيطان -لعنه الله- من جهة الجهل، فيغويهم ويضلهم. قال علي بن أبي طالب : قصم ظهري رجلان: جاهل ناسك، وعالم فاسق (١).

قال المؤلف: فالعالم الفاسق ينفر الناس عن (٢) علمه، ويكون حجة عليه، يوم يوقفه الحق بين يديه، ويقال: إذا ضلَّ عالِمٌ ضلَّ العالَم. والعلم والخبر لا يحجزان أحدًا عن القضاء والقدر، كما تقدم ذكره في القرآن والخبر.

والجاهل الناسك يُضل الناس لجهله ولخلوه من نور العلم، فمثله كالأعمى، والأعمى لا يهدي نفسه إلى الطريق، فكيف يهدي غيره؟ ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٢]، فيأمر الناس بجهل فيَضل ويُضل.

ألا ترى ما يفعله بعض المبتدعين تبعًا لأشياخهم فيحلقون ذقونهم ويوصلون شعورهم، ويكوون أبدانهم ويوشمونها، فينقش عليها (٣) اسم المحبوب، ثم يدخل السقاية بهذا المكتوب (٤).

ولقد رأيت فقيرًا بمكة قد وشم على ساعده آية الكرسي بكمالها، ثم يدخل بها المستراح هذا القليل الدين والصلاح، فكلما مسّ آية الكرسي بغير وضوء أثم، وإذا مسه وهو جنب يكون (٥) ملعونًا آثمًا، وترى بعضهم يثقب أذنه، وآخر يثقب إحليله، ومنهم من يتكبل بالسلاسل والحديد، فيدخلون في البدع ويخالفون المولى المجيد، وبعضهم يعملون في رقابهم الأطواق، وهي صفات أهل النار في النار، ولا ترضي الواحد الخلاق، قال الله


(١) ذكره فخر الدين الرازي في «مفاتيح الغيب» ٣/ ٤٤، وأبو حيان الأندلسي في «البحر المحيط» ١/ ٤٣٠.
(٢) في (ط): من.
(٣) في (خ): عليه.
(٤) في (خ): هذا المنكوب.
(٥) في (ط): فسق وكان.

<<  <  ج: ص:  >  >>