للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومنها: إيثاره على نفسه؛ لأن الله تعالى جعل لكل نبي دعوة مستجابة، فكل منهم تعجل دعوته في الدنيا، واختبأ دعوته شفاعةً لأمته (١)، فآثر أمته على نفسه .

قال أبو علي الدقاق (٢) من مشايخ الصوفية المشاهير وعلمائها النحارير وقد تكلموا في الفتوة على اصطلاحهم أنها غاية الكرم والإيثار فقال: إن هذا الخُلُق لا يكون بكماله إلا لرسول الله ؛ فإن كل واحدٍ في القيامة يقول: نفسي نفسي وهو يقول: «أمتي أمتي» (٣).

ولما فتح الله تعالى على النبي في حال حياته مكة وبلاد اليمن والطائف وجزائر العرب وما قرب من الشام والعراق وجلبت إليه من أخماسها وجزيتها وصدقاتها ما لا يؤتى به الملوك إلا بعضه، وهادته الملوك من الأقاليم، فما استأثر منه شيئًا، ولا أمسك منه درهمًا. بل صرفه مصارفه وأغنى به غيره وقوَّى به المسلمين وقال: «ما يسرني أن لي أحدًا ذهبًا يبيت عندي منه دينارٌ إلا دينارًا أرصده لدَيْني» (٤)، وأتاه مرة ذهب فقسمه (٥) وبقي منها ستة فدفعها لبعض نسائه فلم تأخذه، فما برح حتى قسمها وقال: «الآن استرحتُ» (٦).


(١) أخرجه أحمد في «مسنده» ٣/ ٢٠٨ (١٣١٧٠)، ومسلم في «صحيحه» (٢٠٠) (٣٤١) من حديث أنس أن نبي الله قال: «لكل نبي دعوة دعاها لأمته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة».
وقد ورد أيضًا من حديث أبي هريرة.
(٢) هو أبو علي الحسن الدقَّاق النيسابوري، أستاذ القشيري صاحبِ الرسالة، برع في العلوم الصوفية وفي الفقه واللغة، وتوفي ودفن بنيسابور سنة (٤١٠ هـ).
(٣) ذكره ابن القيم في «مدارج السالكين» ٣/ ٣٤٢.
(٤) أخرجه أحمد في «مسنده» ٢/ ٤٥٧ (٩٨٩٣)، ومسلم في «صحيحه» (٩٩١) (٣١) من حديث أبي هريرة .
(٥) في (خ): فقسمها.
(٦) أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» ٢/ ٢٧٣ من حديث عائشة . وفي إسناده ضعفٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>