للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمعصية يصحبها الذل والانكسار، خيرٌ من طاعةٍ يصحبها العجب والاستكبار. فانظر ماذا في الطاعات من المهالك والآفات، لا يحتاج الفاعل معها لشيء من السيئات، فإذا كان السيد عظيمًا عزيزًا، فينبغي للعبد أن يكون حقيرًا ذليلًا. قال بعضهم:

إذا رمت عز الوصل ذل لمن تهوى … فكم عزة قد نالها المرء بالذل

إذا كان من تهوى عزيزًا ولم تكن … ذليلًا له فاقرَا السلام على الوصل

وأنشد بعضهم مخبرًا عن حاله:

حبيب أرتجيه وإن جفاني … ويعلم ما لقيت من الصدود

ويظهر في الهوى عز المعالي (١) … فيلزمني له ذل العبيد

ويكفي من الأدلة قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ [آل عمران: ١٢٣]، فإذا دعوت الله تعالى أيها المؤمن! بأن يطيِّب عيشك في الدنيا، ويرزقك العزَّ والجاه والغنى، ولم تجد ذلك فلا تحزن؛ لأن عيش الدنيا ليس بطيب؛ فإنَّ آخره الموت، فإذا متَّ زالت الدنيا، ومات عزُّك وجاهك، فإن أخَّر الله تعالى دعوتك إلى الآخرة ووَسَّعها عليك فقد أسبغ نعمه عليك، ونظر بعين كرمه إليك، وأقامك في مقام الأحباب، وأمَّنك (٢) من شدة الحساب، وجعل لك أسوة بنبيه وحبيبه ، وعلى الآل والأقارب والأصحاب، وكان ذلك مقدَّرًا عليك في أم الكتاب، فلا تقل: دعوت الله تعالى وما رأيت الإجابة، فقد جاء في الحديث: «كل داعٍ يجاب ولكن لا تشعرون» (٣).


(١) في (خ): الموالي.
(٢) في (خ، ب): وحرسك.
(٣) لم أقف عليه بهذا اللفظ، ولفظه المشهور من حديث أبي هريرة ، عن النبي قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي».
أخرجه مالك في «الموطأ» (٤٩٧)، وأحمد في «مسنده» ٢/ ٣٩٦ (٩١٤٨)، والبخاري في «صحيحه» (٦٣٤٠)، وفي «الأدب المفرد» (٦٥٤)، ومسلم في «صحيحه» (٢٧٣٥)، وأبو داود في «سننه» (١٤٨٤)، وابن ماجه في «سننه» (٣٨٥٣)، والترمذي في «جامعه» (٣٣٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>