للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالت: سبحان الله، زي الصالحين وفعل الجاهلين (١). أنكرتْ عليهم لعدم التناسب.

وقال الحسن لفرقد السبخي: يا فرقد، تحسب أن لك فضلًا على الناس بكسائك؟ بلغني أن أكثر أهل النار أصحاب الأكسية (٢). وأنشدوا:

إذا المرء لم يلبس ثيابًا من التقى … تقلب عريانًا وإن كان كاسيًا

وخير خصال العبد (٣) طاعة ربه … ولا خير فيمن كان لله عاصيًا

اعْلَم أيها الإنسان! أن لبس الدروع الحسان محرم على كل جبان، فلا تلبس أيها البطَّال لباس الأبطال، ثم تأخذ في الهزيمة؛ فإنه من أفعال كل خنثى العزيمة، فدع الدرع الحسن لصاحبه، فهو أولى منك بالغنيمة، وكانوا أحق بها وأهلها؛ لأن أحدهم عرف ما يطلب، فحينئذٍ هان عليه ما يبذل، ومن أراد الفوائد هجم على الشدائد.

ثم اعلم أن بعض الناس اختار الترفع في الملابس ونيته الإظهار لنعم الله تعالى، فلا بأس بذلك إذا كان من حلال، وروي أن الله جميل يحب الجمال (٤)، وقد حُكِي عن جماعةٍ من الصالحين أنهم كانوا يظهرون الغِنَى في الفقر، تراهم على فاقة وهم يجتهدون في تحسين ثيابهم، وقال الله فيمن هذه صفاتهم: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ﴾ [البقرة: ٢٧٣]. ومن وسع الله تعالى عليه يجب أن يرى (أثر نعمته) (٥) عليه، قال أمير


(١) لم أجده.
(٢) أخرجه أبو نعيم في «الحلية» ٢/ ١٥٦، وذكره الغزالي في «الإحياء» ٤/ ٢٣٥.
(٣) في (ق): المرء.
(٤) أخرجه أحمد في «مسنده» ١/ ٣٩٩ (٣٧٨٩)، ومسلم في «صحيحه» (٩١)، والترمذي في «جامعه» (١٩٩٩) من حديث ابن مسعود ، قال: قال رسول الله : «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر». قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس».
(٥) في (خ): أثرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>