للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ببلد هو فيه (١).

يحكى عن بعض الخلفاء قال لفقير: إني أحبك، وأقسم عليه أن يتردد في بعض الأوقات إليه. وأمر الخليفة البوابين أن لا يرد الشيخ أحدٌ، فدخل الشيخ يومًا فلما أحست سريَّة الخليفة به هربت، وتركت طبقًا فيه جواهر ولؤلؤ كانت تنظمهم، فجاء الطاووس فالتقطهم (٢)، فلما ذهب الشيخ خرجت السرية فلم تجد في الطبق شيئًا، فتحيرت، إن قالت أخذهم (٣) الشيخ لم تصدَّق، ولم يدخل أحدٌ غير الشيخ، فحملت على قلبها ومرضت، فقال لها الخليفة: ما سبب مرضك؟ قالت: لما كنت أنظم اللؤلؤ والجواهر والفصوص دخل الشيخ ففررت من بين يديه، وتركت الطبق، فلما ذهب الشيخ خرجت فلم أجد في الطبق شيئًا، فهذا سبب مرضي. فطلب الخليفة الطبيب، وقال: انظر إلى مرضها وإلى ما يوافقها. فقال الطبيب: مرضها في قلبها، اذبحوا لها طاووسًا واشووا قلبه وأطعموه لها تصيب العافية إن شاء الله تعالى. فأمر الخليفة بذبح الطاووس الذي التقط اللؤلؤ، فذبحوه، فخرج الجميع من حوصلته، فاستحيا الخليفة من الشيخ لما خالط قلبه من الشك.

وكان الشيخ قد علم أنهم شكوا، هل أخذ جواهرهم الشيخ أم لا؟ فطلب الخليفة الشيخ واعتذر، وقال: اجعلني في حلٍّ. فقال الشيخ: والله لا أحاللك حتى تحلف لي أن لا تخالفني في جميع ما آمرك به. فحلف له بالأيمان المغلظة أن مهما قاله الشيخ لا يخالفه. فقال الشيخ: ائتني بحمار، وأْمر المشاعلية بأن يركبوني عليه مقلوبًا، ويجعلوا على وجهي الدقيق،


(١) أخرجه أبو نعيم في «الحلية» ٨/ ٢٢٦، وابن الجوزي في «صفة الصفوة» (٦٦٤) عن عبد الله بن المبارك: قلت لابن إدريس: أريد الثغر فدلني على أفضل رجل به. فقال: عليك بمحمد بن يوسف الأصبهاني. فقلت: فأين يسكن؟ قال: المصيصة، ويأتي السواحل. فقدم عبد الله بن المبارك المصيصة فسأل عنه فلم يعرف، فقال ابن المبارك: من فضلك لا تعرف.
(٢) في (ط): فالتقطها.
(٣) في (ط): أخذها.

<<  <  ج: ص:  >  >>