للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

"علومه" في قولهم إن الجرح لا يقبلُ إلا مفسرًا، وكذلك تضعيف الحديث، فقال: ولقائل أن يقول: إنما يعتمد الناس في جرح الرواة ورد حديثهم على الكتب التي صنفها أئمة الحديث في الجرح أو في الجرح والتعديل، وقل ما يتعرضون فيها لبيان السبب، بل يقتصرون على مجرد قولهم (فلان ضعيف، وفلان ليس بشيء)، ونحو ذلك، أو (هذا حديث ضعيف، وهذا حديث غير ثابت) ونحو ذلك، فاشتراط بيان السبب يفضي إلى تعطيل ذلك، وسد باب الجرح في الأغلب الأكثر.

وجوابه: أن ذلك وإن لم تعتمده في إثبات الجرح والحكم به، فقد اعتمدناه في أن توقفنا عن قبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك، بناءً على أن ذلك أوقع عندنا فيهم ريبة قوية يوجب مثلها التوقف، ثم من انزاحت عنه الريبة منهم ببحثٍ عن حاله أوجب الثقة بعدالته قبلنا حديثه، ولم نتوقف، كالذين احتج بهما صاحبا الصحيحين، وغيرهما ممن مسهما مثل هذا الجرح من غيرهم، فافهم ذلك فإنه مَخْلَصٍ حسن انتهى (١).

ومما يُرَدّ به سؤال أبي عمرو أن إمام الحرمين أبا المعالي الجويني، قال في "البرهان" []: إن كان المزكى عالمًا بأسباب الجرح والتعديل اكتفينا بإطلاقه وإلا فلا، وهو الذي اختاره الغزالي والإمام محي الدين، وقد تقدم نقله عن القاضي أبي بكر، وأنه نقله عن الجمهور، وقد اختاره الخطيب.

مسألة: إذا زكى الشخص عدلًا

فاختلفوا هل تثبت العدالة والجرح بالنسبة إلى الرواية بتعديل عدل أو جرحه أو لا تثبت بذلك إلا باثنين كما في الجرح والتعديل في الشهادة" على قولين، وإذا جمعت الرواية صار في المسألة ثلاثة أقوال: (أحدها) لا يقبل في التزكية إلا رجلان سوى الشهادة والرواية. و (الثاني): الاكتفاء بواحد فيهما.

(الثالث): التفرقة بين الشهادة والرواية فيشترط اثنان في الشهادة، ويكتفى بواحد في الرواية، وهذا هو الصحيح (٢)، وعليه الأكثرون، وهو الذي اختاره الخطيب البغدادي، ولا يشترط في الواحد الذكورة ولا الحرية، وفي المسألة خلاف والله أعلم.

• مسألة:"اختلفوا في رواية المبتدع"

وقد ذكرت في "زجاجة حمراء" بعض المبتدعة وذكرت إعتقاداتهم وأعني بالمبتدع الذي لم نكفره ببدعته على أقوال: -


= واختار شيخ الإسلام - ابن حجر - تفصيلًا حسنًا، فإن كان من جُرِّح مجملًا قد وثقه أحد من أئمة هذا الشأن لم يقبل الجرح فيه من أحد كائنًا من كان إلا مفسرًا؛ لأنه قد ثبتت له رتبة الثقة فلا يزحزح عنها إلا بأمر جلي، فإن أئمة هذا الشأن لا يوثقون إلا من اعتبروا حاله في دينه ثم في حديثه، ونقدوه كما ينبغي، وهم أيقظ الناس فلا ينقض حكم أحدهم إلا بأمر صريح، وإن خلا عن التعديل قُبل الجرح فيه غير مفسر إذا صدر من عارف؛ لأنه إذا لم يعدل فهو في حيز المجهول، وإعمال قول المجرح فيه أولى من إهماله.
وقال الذهبي: وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال -: لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف أو على تضعيف ثقة. انتهى.
ولهذا كان مذهب الإمام النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجمعوا على تركه. اهـ.
(١) مقدمة ابن الصلاح (ص ٥١، ٥٢)، وهذا الجزء أغلبه غير واضح في (ط) وأكملناه من المقدمة.
(٢) واعتمد العلماء هذا القول لسببين (الأول): أن العدد لا يشترط في قبول الخبر، فلا يشترط التعدد - تبعًا لذلك - في جرح الراوي أو تعديله (الثاني) أن التزكية بمنزلة الحكم وهو لا يشترط فيه التعدد أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>