الأخلاق، متخلقًا بجميل الصفات، جميل العشرة، محبًا للحديث وأهله، كثير النصح والمحبة لأصحابه، ساكنًا منجمعًا عن الناس، متعففًا عن التردد لبنى الدنيا، قانعًا باليسير، طارحًا للتكلف، رأسًا في العبادة، والزهد، والورع، مديم الصيام، والقيام، سهلا في التحدث، كثير الإنصاف، والبشر لمن يقصده للأخذ عنه خصوصًا الغرباء، مواظبًا على الاشتغال، والإشغال، والإقبال على القراءة بنفسه، حافظًا لكتاب الله تعالى، كثير التلاوة له، صبورًا على الأسماع، ربما أسمع اليوم الكامل من غير ملل، ولا ضجر، عرض عليه قضاء الشافعية ببلده، فامتنع، وأصر على الامتناع، فصار بعد كل واحد من قاضيها الشافعي، والحنفى من تلامذته الملازمين لمحله، والمنتمين لناحيته، واتفق أنه فى بعض الأوقات حوصرت حلب، فرأى بعض أهلها في المنام السراج البلقيني، فقال له ليس على أهل حلب بأس، ولكن رح إلى خادم السنة إبراهيم المحدث وقل له: يقرأ عمدة الأحكام ليفرج الله عن المسلمين، فاستيقظ، فأعلم الشيخ، فبادر إلى قراءتها في جمع من طلبة العلم، وغيرهم بالشرفية يوم الجمعة بكرة النهار، ودعا للمسلمين بالفرج، فاتفق أنه في آخر ذلك النهار نصر الله أهل حلب.
وقال البقاعي: إنه كان على طريقة السلف فى التوسط فى العيش، وفي الانقطاع عن الناس لاسيما أهل الدنيا، عالمًا بغريب الحديث، شديد الاطلاع على المتون، بارعًا في معرفة العلل، إذا حفظ شيئًا لا يكاد يخرج من ذهنه، ما نازع أحدًا بحضرتي في شيء، وكشف عنه الأظهر الصواب ما قاله، أو كان ما قاله أحد ما قيل في ذلك، وهو كثير التواضع مع الطلبة، والنصح لهم، وحاله يقتصد في غالب أمره قلت: وفيها مجازفات كثيرة كقوله شديد الاطلاع على المتون بارعًا في معرفة العلل، ولكنه معذور فهو عار منهما.
قال ابن تغربردي: كان إماما حافظًا، بارعًا مفيدًا سمع الكثير، وألف التواليف الحسنة المفيدة، وكتب على صحيح البخارى، وعلى "السيرة النبوية" لابن سيد الناس وعلى "كتاب الشفا" للقاضي عياض، وصنف نهاية السول فى رواة الستة الأصول، و"شرح سنن" ابن ماجة، وذيل على "كتاب الميزان" للذهبي.
ورأيته أنا أيضًا بحلب فى سنة ست وثلاثين وثمانمائة، ولم يتفق لى أن أروى عنه شيئا، ولكن اجتمعت بغالب طلبته، وممن تخرج به، والجميع يثنون على علمه، وفضله، وحفظه.
قال الحافظ ابن حجر: جمع، وصنف مع حسن السيرة، والتخلق بجميل الأخلاق، والفقه، والانجماع، والإقبال على القراءة بنفسه، وداوم الإسماع، وهو الآن شيخ البلاد الحلبية غير مدافع. أجاز لأولادى. وبيننا مكاتبات ومودّة، حفظه الله تعالى.
وقال المقريزي: شيخ البلاد الحلبية بغير تدافع مع تدين، وانجماع، وسيرة حميدة.
• دفاعه عن السلف:
قال السخاوى: ولما دخل التقى الحصنى حلب بلغنى أنه لم يتوجه لزيارته لكونه كان ينكر مشافهة على لابسى الأثواب النفيسة على الهيئة المبتدعة، وعلى المتقشفين، ولا يعدو حال الناس ذلك فتحامى قصده فما وسع الشيخ إلا المجيء إليه، فوجده نائمًا بالمدرسة الشرفية، فجلس حتى