وما ذاك إلا لتشريف أكناف المسجد الحرام، وتطهير البقعة التي بعث الله فيها رسوله إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا صلوات الله وسلامه [١] عليه.
وهذا هو الخزي لهم في الدنيا؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فكما صدوا المؤمنين عن المسجد الحرام صُدوا عنه، وكما أجلوهم من مكة [أجلوا عنها][٢].
﴿وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ على ما انتهكوا من حرمة البيت، وامتهنوه من نصب الأصنام حوله، ودعاء غير الله عنده والطواف به عُرْيًا، وغير ذلك من أفاعيلهم التي يكرهها الله ورسوله ﷺ.
وأمّا من فسر بيت القدس فقال كعب الأحبار: إن النصارى لما ظهروا علي بيت المقدس خَرَّبوه، فلما بعث الله محمدًا، ﷺ، أنزل عليه: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إلا خَائِفِينَ﴾. الآية، فليس في الأرض نصراني يدخل بيت المقدس إلا خائفًا، وقال السدي: فليس في الأرض رومي يدخله اليوم إلا وهو خائف أن تُضْرَبَ [٣] عُنُقُه، أو قد أخيف بأداء الجزية فهو يؤديها.
وقال قتادة: لا يدخلون المساجد إلا مسارقة.
قلت: وهذا لا ينفي أن يكون داخلًا في معنى عموم الآية؛ فإن النصارى لما ظلموا بيت المقدس، بامتهان الصخرة التي كانت تصلي إليها اليهود، عُوقبوا شرعًا وقَدَرًا بالذلة فيه، إلا في أحيان من الدهر امتحن [٤] بهم بيت القدس. وكذلك اليهودُ لما عَصَوا الله فيه أيضًا أعظمَ من عصيان النصارى كانت عقوبتهم أعظمَ، والله أعلم.
وفسر هؤلاء الخزي في الدنيا بخروج المهدي، عند السدي، وعكرمة، ووائل بن داود. وفسره قتادة بأداء الجزية عن يد وهم صاغرون.
والصحيح أن الخزي في الدنيا أعم من ذلك كله.
وقد ورد الحديث بالاستعاذة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، كما قال الإمام أحمد (٦٧٣): حدثنا الهيثم بن خارجة، حدثنا محمد بن أيوب بن ميسرة بن حَلْبَس، سمعت أبي يحدث عن
(٦٧٣) - بسر بن أرطأة، ويقال: ابن أبي أرطأة، قال الحافظ المزي: حديث بسر بن أبي أرطاة عن النبي ﷺ، وقيل: لم يسمع منه. وقال الحافظ: من صغار الصحابة. قال المنذري: =