للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسحهما، وجوز غسلهما فقد أخطأ أيضًا، ومن نقل عن أبي جعفر بن جرير، أنه أوجب غسلهما للأحاديث، وأوجب مسحهما للآية، فلم يحقق مذهبه في ذلك، فإِن كلامه في تفسيره؛ إِنما يدل على أنه أراد أنه يجب دَلْكُ الرجلين من دون سائر أعضاء الوضوء؛ لأنهما يليان الأرض والطين، وغير ذلك؛ فأوجب دلكهما ليذهب ما عليهما، ولكنه عبر عن الدلك بالمسح، فاعتقد من لم يتأمل كلامه، أنه أراد وجوب الجمع بين غسل الرجلين ومسحهما، فحكاه من حكاه كذلك، ولهذا يستشكله كثير من الفقهاء، وهو معذور؛ فإِنه لا معنى للجمع بين المسح والغسل، سواء تقدمه أو تأخر عليه لاندراجه فيه، وإِنما أراد الرجل ما ذكرته، والله أعلم. ثم تأملت كلامه أيضًا، فإذا هو يحاول الجمع بين القراءتين في قوله: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾ خفضًا على المسح، وهو الدلكَ، ونصبًا على الغسل، فأوجبهما أخذًا بالجمع بين هذه وهذه.

ذكر الأحاديث الواردة في غسل الرجلين وأنه لابد منه [١]

قد تقدم في حديث أميَري المؤمنين: عثمان وعلي، وابن عباس ومعاوية وعبد الله بن زيد بن عاصم والمقداد بن معد يكرب، أن رسول الله غسل الرجلين في وضوئه، إِما مرة وإما مرتين أو ثلاثا، على اختلاف رواياتهم (٢١٨).

وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسول الله توضأ، فغسل قدميه، ثم قال: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إِلا به" (٢١٩).

وفي الصحيحين (٢٢٠) من رواية أبي عوانة، عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عمرو، قال: تخلف عنا رسول الله في سفرة سافرناها، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة - صلاة العصر - ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته:


(٢١٨) - تقدم حديث عثمان برقم (١٨٩) و (٢٠٢، ٢٠٥) وحديث على برقم (١٩٩)، وحديث ابن عباس رقم (١٩٨) وحديث عبد الله بن زيد رقم (١٩٨)، وحديث معاوية وحديث المقدام تقدما برقم (٢٠٠).
(٢١٩) - تقدم رقم (٢٠٨).
(٢٢٠) - أخرجه البخارى في صحيحه، كتاب العلم، باب: من رفع صوته بالعلم، الحديث (٦٠)، وفي باب: من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه الحديث (٩٦)، وفى الوضوء، باب: غسل الرجلين، ولا يمسح على القدمين، الحديث (١٦٣)، ومسلم في الطهارة باب: وجوب غسل الرجلين بكمالهما، الحديث (٢٤١/ ٢٧).