رسم ابن كثير منهجه وحدد أصوله في مقدمة التفسير. وهذا المنهج قد وضعه شيخه ابن تيمية من قبل، بل إن أصول هذا المنهج من صياغة ابن تيمية نفسه، كما يتبين ذلك من "مقدمته في أصول التفسير".
وقد بدأ ابن كثير مقدمة تفسيره بعد خطبة الكتاب ببيان طرق وأصول التفسير، فبدأ بالأصل الأول وهو:
[١ - تفسير القرآن بالقرآن]
فإن قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟ فالجواب أن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أُجمل في مكانٍ فإنه قد بُسط في موضع آخر.
وتجد هذا الأصل في مقدمة التفسير لابن تيمية بنفس العبارات مع تغيير طفيف.
* وقد طبق ابن كثير هذا المنهج خير تطبيق، فنجده قد جمع الآيات المتعلقة في الموضوع الواحد:
فهو يحشد في تفسيره بالقرآن الآيات المماثلة التي يجمعها وحدة الموضوع، أو تندرج تحت قاعدة عامة يلتزم بها القرآن الكريم.
ومن الأمثلة على ذلك تفسيره لقوله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيرَاتِ﴾ قال: يعني أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا؟ كلا، ليس الأمر كما يزعمون في قولهم: ﴿نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ لقد أخطأوا في ذلك وخاب رجاؤهم، بل إنما نفعل بهم ذلك استدراجًا وإنظارًا وإملاء، ولهذا قال: ﴿بَلْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ كما قال تعالى: ﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ الآية، وقال تعالى ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾ وقال تعالى: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيثُ لَا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ الآية. وقال: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ إلى
(٢) - نقلًا عن رسالة "الحافظ ابن كثير ومنهجه في التفسير" للدكتور إسماعيل سالم -رحمه الله تعالى- وذلك بتصرفٍ واختصار.