أما الكلام علي الحروف المقطعة فقد تقدم في أول "سورة البقرة".
وقوله: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ استفهام إنكار ومعناه أن الله ﷾ لا بد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإِيمان كما جاء في الحديث الصحيح (١): " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلي الرجل علي حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء". وهذه الآية كقوله: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ ومثلها في "سورة براءة". وقال في البقرة: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (٢١٤)﴾؛ ولهذا قال هاهنا: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣)﴾، أي: الذين صدقوا في دعواهم الإِيمان ممن [١] هو كاذب في قوله ودعواه. والله ﷾ يعلم ما كان وما يكون [وما لم][٢] يكن لو كان كيف كان يكون. وهذا مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة ولهذا يقول ابن عباس وغيره في مثل: ﴿إلا لنعلم﴾ [٣] إلا لنري؛ وذلك أن الرؤية إنما تتعلق بالموجود، والعلم أعم من الرؤية، فإنه يتعلق بالمعدوم والموجود.
(١) المسند (١/ ١٧٢)، والترمذي حديث (٢٣٩٨) من طريق مصعب، عن أبيه سعد بن أبي وقاص ﵁، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح".