للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير سورة محمد وهي مدنية]

﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالهُمْ (١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالهُمْ (٢) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالهُمْ (٣)

يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: بآيات الله، ﴿وَصَدُّوا﴾ غيرهم ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالهُمْ﴾ أي: أبطلها وأذهبها ولم يجعل لها جزاءً ولا ثوابًا، كقوله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي: آمنت قلوبهم وسرائرهم، وانقادت جوارحهم وبواطنهم [١] وظواهرهم، ﴿وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ﴾، عطف خاص على عام، وهو دليل على أنه شرط في صحة الإِيمان بعد بعثته صلوات الله وسلامه عليه.

وقوله: ﴿وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ جملة معترضة حسنة، ولهذا قال: ﴿كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالهُمْ﴾. قال ابن عباس: أي أَمَرَهم. وقال مجاهد: شأنهم. وقال قتادة وابن [٢] زيد: حالهم. والكل متقارب وقد جاء في حديث تشميت العاطس: "يهديكم الله، ويصلح بالكم" (١).

ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ﴾ أي [٣]: [إنما أبطلنا أعمال الكفار. وتجاوزنا عن سيئات الأبرار، وأصلحنا شئونهم؛ لأن الذين كفروا اتبعوا الباطل، أي:] [٤] اختاروا الباطل على الحق، ﴿وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالهُمْ (٣)﴾ أي: يبين لهم مآل أعمالهم، وما يصيرون إليه في معادهم.


(١) - ورد من حديث أبي هريرة، رواه البخاري في كتاب الأدب من صحيحه (٦٢٢٤)، وأبو داود في كتاب الأدب برقم (٥٠٣٣).