نزلت [١] هذه الآيات حين غلب سابور ملك الفرس على بلاد الشام وما والاها من بلاد الجزيرة وأقاصي بلاد الروم، واضطر هرقل ملك الروم حتى ألجأه إلى القسططنية، وحاصره فيها مدة طويلة ثم عادت الدولة لهرقل كما سيأتي.
قال الإِمام أحمد (١): حدثنا معاودة بن عمرو، حدثنا أبو إسحاق، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ﵄ في قوله تعالى: ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾، قال: غُلبت وغَلَبت. قال: كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم، لأنهم أصحاب أوثان، وكان [٢] المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس، لأنهم أهل كتاب، فذكر ذلك لأبي بكر، فذكره أبو بكر لرسول اللَّه ﷺ فقال رسول اللَّه ﷺ:"أما إنهم سيغلبون". فذكره أبو بكر لهم، فقالوا: اجعل بيننا وسنك أجلًا، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا. فجعل أجلًا [٣] خمس سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك أبو بكر للنبي ﷺ فقال:"ألا جعلتها إلى دُون -أراه قال-: العشر". قال سعيد بن جبير: البضع ما دون العشر. ثم ظهرت الروم بعد، قال: فذلك قوله: ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ
(١) المسند (١/ ٢٧٦)، وسنن الترمذي حديث (٣١٩٣)، والنسائي في السنن الكبرى حديث (١١٣٨٩).