يقول تعالى: ﴿حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ يعني: القرآن منزل من الرحمن الرحيم كقوله تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقّ﴾، وقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾، وقوله: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ أي: بُيّنت معانيه وأحكمت أحكامه، ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ أي: في حال كونه لفظًا عربيًّا، بيِّنًا واضحًا، فمعانيه مفصلة، وألفاظه واضحة غير مشكلة، كقوله: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ أي: هو معجز من حيث لفظه ومعناه، ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَينِ يَدَيهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾، وقوله؛ ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أي: إنما يعرف هذا البيانَ والوضوحَ العلماءُ الراسخون، ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ أي: تارة يبشر المؤمنين، وتارة ينذر الكافرين، ﴿فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ أي: أكثر قريش، فهم لا يفهمون منه شيئًا مع بيانه ووضوحه، ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ﴾ أي: في غلف مغطاة ﴿مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْر﴾ أي: صمم عما جئتنا به، ﴿وَمِنْ بَينِنَا وَبَينِكَ حِجَابٌ﴾، فلا يصل إلينا [٢] شيء مما تقول [٣]، ﴿فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ أي: اعمل أنت على طريقتك، ونحن علي طريقتنا لا نتابعك.
قال الإمام العَلَم عبد بن حُمَيد في مسنده (١): حدثني ابن أبي شيبة، حدثنا علي بن مسهر، عن الأجلح، عن الذَّيَّال بن حَرْمَلَة الأسدي، عن جابر بن عبد الله ﵁ قال: اجتمعت [٤] قريش يومًا فقالوا: انظروا أعلمَكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا