قد تقدم غير مرة أن المقسم عليه متى كان منتفيًا، جاز الإتيان بـ"لا" قبل القسم لتأكيد النفي. والمقسوم عليه هاهنا هو إثبات العاد، والردّ على ما يزعمه الجهلة من العباد من عدم بَعث الأجساد، ولهذا قال تعالى: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (١) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ قال الحسن: أقسم بيوم القيامة، ولم يقسم بالنفس اللوامة. وقال قتادة: بل أقسم بهما جميعًا. هكذا حكاه ابن أبي حاتم. وقد حكى ابن جرير، عن الحسن والأعرج أنهما قرأا: ﴿لأُقْسِمُ﴾ [١] وهذا يوجه قول الحسن؛ لأنه أثبت القسم بيوم القيامة، ونفى القسم بالنفس اللوامة. والصحيح أنه أقسم بهما جميعًا، كما قاله قتادة، ﵀، وهو المروي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، واختاره ابن جرير. فأما يوم القيامة فمعروف، وأما النفس اللوامة؛ فقال قرة بن خالد، عن الحسن البصري في هذه الآية: إنّ المؤمن - والله - ما نراه إلا يلوم نفسه: ما أردت بكلمتي؟ ما أردت بأكلتي؟ ما أردت بحديث نفسي؟ وإن الفاجر يمضي قُدُمًا قُدُمًا ما يعاتب نفسه.
وقال جويبر: بلغنا عن الحسن أنه قال في قوله: ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾، قال: ليس أحد من أهل السموات والأرض إلا يلوم نفسه يوم القيامة.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن صالح بن مسلم، عن إسرائيل، عن سماك؛ أنه سأل عكرمة عن قوله: ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾، قال: يلوم على الخير
[١]- في حاشية ز، وحاشية خ: "لعله: ﴿وَلأُقْسِمُ بِالنَّفْسِ﴾ على أحد الوجهين عن ابن كثير.