وشركهم، كما قال تعالى: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إلا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٣٤)﴾ وقال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَي أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (١٧) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَي الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إلا اللَّهَ فَعَسَي أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾. وقال تعالى: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾. فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَي الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إلا اللَّهَ﴾ فإذا كان من هو كذلك مطرودًا منها مصدودًا عنها، فأي خراب لها أعظم من ذلك؟ وليس المراد بعمارتها زخرفتها، وإقامة صورتها فقط؛ إنما عمارتها بذكر الله فيها، وإقامة شرعه فيها، ررفعها عن الدنس والشرك.
وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إلا خَائِفِينَ﴾ هذا خبر معناه: الطلب، أي: لا تُمَكِّنوُا هؤلاء - إذا قدرتم عليهم - من دخولها إلا تحت الهدنة والجزية؛ ولهذا لما فتح رسول الله، ﷺ، مكة أمر من العام القابل في سنة تسع أن ينادي برحاب مِنَى:"ألا لا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عُريان، ومن كان له أجل فأجله إلي مدته"(٦٧٢) وهذا كان تصديقًا، وعملًا بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ الآية. [١] قال بعضهم: ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا خائفين علي حال التهيب، رارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلًا أن يستولوا عليها، ويمنعوا المؤمنين منها.
والمعنى: ما كان الحق والواجب إلا ذلك لولا ظلم الكفرة وغيرهم.
وقيل: أن هذا بشارة من الله للمسلمين: أنه سيُظْهرُهم علي المسجد الحرام، وعلى سائر المساجد، وأنه يذل المشركين لهم؛ حتى لا يدخل [٢] المسجد الحرام أحد منهم إلا خائفًا، يخاف أن يؤخذ فيعاقب، أو يُقتل أن لم يسلم، وقد أنجز الله هذا الوعد كما تقدم من منع المشركين من دخول [المسجد الحرام][٣]، وأوصى رسول الله ﷺ أن لا يبقى بجزيرة العرب دينان، وأن يجلي اليهود والنصاري منها ولله الحمد والمنة.
(٦٧٢) - رواه الترمذي في تفسير القرآن، باب: ومن سورة التوبة، من حديث ابن عباس حديث ٣٠٩١، وقال: حسن غريب من حديث ابن عباس، ومن حديث علي حديث ٣٠٩٢ وقال: حسن صحيح.