يقول تعالى: ﴿حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ أي: البَيِّن الواضح، الجلي المعاني والألفاظ؛ لأنه نزل بلغة العرب التي هي أفصح اللغات للتخاطب بين الناس؛ ولهذا قال: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ﴾ أي: أنزلناه ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ أي: بلغة العرب، فصيحًا واضحًا، ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أي: تفهمونه وتتدبرونه، كما قال ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ [لَدَينَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ][١]﴾، [بيَّن شرفه في الملإ الأعلى، ليشرفه ويعظمه ويطيعه أهل الأرض، فقال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ﴾ أي: القرآن ﴿فِي أُمِّ الْكِتَابِ﴾][٢] أي: اللوح المحفوظ، قاله ابن عباس، ومجاهد، ﴿لَدَينَا﴾ أي: عندنا، قاله قتادة وغيره، ﴿لَعَلِيٌّ﴾ أي: ذو مكانة عظيمة وشرف وفضل، قاله قتادة، ﴿حَكِيمٌ﴾ أي: محكم بريء من اللبس والزيغ.
وهذا كله تنبيه على شرفه وفضله، كما قال: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لَا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالمِينَ﴾، وقال: ﴿كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾، ولهذا استنبط العلماء، ﵏، من هاتين الآيتين أن المُحدثَ لا يمس المصحف، كما ورد به الحديث إن صحَّ (١)، لأن الملائكة يعظمون المصاحف المشتملة على القرآن في الملإ الأعلى، فأهل الأرض
(١) - يعني حديث: أنه ﷺ قال لحكيم بن حزام: "لا يمس المصحف إلا طاهر"=