للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال السدّي: كانوا ظاهروا بختنصر على خراب بيت المقدس حتى خربه، وأمر به أن تطرح فيه الجيف، وإنما أعانه الروم علي خرابه من أجل أن بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا.

وروي نحوه عن الحسن البصري.

(القول الثاني) ما رواه ابن جرير (٦٧٠): حدثني يونس بن عبد الأعلى، حدثنا [١] ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا﴾ قال: هؤلاء المشركون الذين [٢] حالوا بين رسول الله يوم الحديبية وبين أن يدخل مكة حتى نحر هديه بذي طُوَي وهادنهم، وقال لهم: "ما كان أحد يَصُدّ عن هذا البيت، وقد كان الرجل يلقي قاتل أبيه وأخيه فلا يصدّه"، فقالوا: لا يدخل علينا من قتل آباءنا يوم بدر وفينا باق.

وفي قوله: ﴿وَسَعَى فِي خَرَابِهَا﴾ قال: إذ قطعوا من يعمرها بذكره، ويأتيها للحج والعمرة.

وقال ابن أبي حاتم (٦٧١): ذكر عن سلمة: قال: قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة -أو سعيد بن جبير- عن ابن عباس أن قريشًا منعوا النبي، ، الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام، فأنزل الله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾.

ثم اختار ابن جرير القول الأول، واحتج بأن قريشًا لم تسع في خراب الكعبة، وأما الروم فسعوا في تخريب بيت المقدس.

(قلت): والذي يظهر -والله أعلم- القول الثاني، كما قاله ابن زيد. وروي عن ابن عباس؛ لأن النصاري إذا منعت اليهود الصلاة في البيت المقدس؛ كان دينهم أقوم من دين اليهود، وكانوا أقرب منهم، ولم يكن ذكر الله من اليهود مقبولًا إذ ذاك؛ لأنهم لُعنوا من قبل على لسان داود وعيسي بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.

وأيضًا فإنه تعالي لما وجه الذم في حق اليهود والنصاري، شرع في ذم المشركين الذين أخرجوا الرسول، ، وأصحابه من مكة، ومنعوهم من الصلاة في المسجد الحرام، وأما اعتماده علي أن قريشًا لم تسع في خراب الكعبة، فأي خراب أعظم مما فعلوا؟ أخرجوا عنها رسول الله، ، وأصحابه، واستحوذوا عليها بأصنامهم، وأندادهم،


(٦٧٠) - رواه ابن جرير برقم ١٨٢٦ - (٢/ ٥٢١).
(٦٧١) - ابن أبي حاتم رقم ١١١٧ - (١/ ٣٤١).