وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ (١٠٩) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ يَحُثهم [١] تعالى على الاشتغال بما ينفعهم وتَعُود عليهم عاقبتهُ يوم القيامة، من إقامة [٢] الصلاة وإيتاء الزكاة؛ حتى يمكن لهم الله النصر في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ هذا قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ [٣] بَصِير﴾ يعني: أنه تعالى لا يغفل عن عمل عامل، ولا يضيع لديه، سواء كان خيرًا، أو شرًّا؛ بأنه سيجازي كل عامل بعمله.
وقال أبو جعفر بن جرير في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ [٤] بَصِير﴾: وهذا الخبر من الله للذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين، أنهم مهما فعلوا من خير أو شر، سرًّا أو علانية، فهو به بصير، لا يخفى عليه منه شيء؛ فيجزيهم بالإحسان خيرًا، وبالإساءة مثلها. وهذا الكلام، وإن كان [قد خرج][٥] مخرج الخبر، فإن فيه رعدًا، ووعيدًا، وأمرًا، وزجرًا، وذلك أنه أعلم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم؛ ليجدّوا في طاعته - إذ كان ذلك مُدَّخرًا لهم عنده حتى يثيبهم [٦] عليه، كما قال تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ وليحذروا معصيته.
قال: وأما قوله: ﴿بَصِيرٌ﴾ فإنه مبصر، صُرف إلى "بصير" كما صرف مُبْدع إلى "بديع"، ومؤلم إلى "أليم"، [والله أعلم][٧].
وقال ابن أبي حاتم (٦٦٦): حدثنا أبو زرعة، حدثنا ابن بكير، حدثني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، قال: رأيت رسول الله، صلى الله عليه رسلم [يفسر في][٨] هذه الآية: ﴿سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾، يقول: بكل شيء بصير.