للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنهم من فصَّل فقال: يجوز عند القدوم من سفر، وللحاكم في محل ولايته، كما دل عليه قصة سعد بن معاذ، فإنه لما استقدمه النبي حاكمًا في بني قريظة فرآه مقبلًا قال للمسلمين: "قوموا إلى سيدكم". وما ذاك إلا ليكون أنفذ لحكمه، والله أعلم.

فأما اتخاذه ديدنًا فإنه من شعار العجم. وقد جاء في السنن أنه لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله وكان إذا جاء لا يقومون له، لما يعلمون من كراهته لذلك (٤١).

وفي الحديث المروي في السنن أن رسول الله كان يجلس حيث انتهى به المجلس، ولكن حيث يجلس يكون صدر ذلك المجلس، وكان الصحابة يجلسون منه على مراتبهم، فالصِّديق يجلسه عن يمينه، وعمر عن يساره، وبين يديه غالبًا عثمان وعلي، لأنهما كانا ممن يكتب الوحي، وكان يأمرهم بذلك، كما رواه مسلم من حديث الأعمش، عن عمارة بن عمير [١]، عن أبي معمر، عن أبي مسعود: أن رسول الله كان يقول: "ليليني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". وما ذاك إلا ليعقلوا عنه ما يقوله - صلوات الله وسلامه عليه - ولهذا أمر أولئك النفر بالقيام ليجلس الذين وردوا من أهل بدر، إما لتقصير أولئك في حق البدريين، أو ليأخذ البدريون من العلم بنصيبهم، كما أخذ أولئك قبلهم، أو تعليمًا بتقديم الأفاضل إلى الإمام (٤٢).

وقال الإمام أحمد (٤٣): حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن عُمارة [٢] بن عمير التيمي [٣]، عن أبي معمر، عن أبي مسعود قال: كان رسول الله يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: "استووا، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليليني منكم


= الله عليه وسلم - يقول:. فذكر الحديث. قال الترمذي: حديث حسن. وتعقبه الألباني فحكم بصحة الحديث في الصحيحة (٣٥٧).
(٤١) - أخرجه أحمد (٣/ ١٣٢) (١٢٣٦٦)، والترمذي في كتاب الأدب، باب: ما جاء في كراهية قيام الرجل للرجل، حديث (٢٧٥٦) (٨/ ٦)، والبغوي في شرح السنة (١٢/ ٢٩٤) (٣٣٢٩). كلهم من حديث أنس. قال الترمذي: حسن. وقال البغوي: حسن صحيح.
(٤٢) أخرجه مسلم في كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها، حديث (١٢٢/ ٤٣٢) (٤/ ٢٠٣ - ٢٠٤).
(٤٣) - وأحمد (٤/ ١٢٢) (١٧١٥٣).