للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والدلائل القاطعات، ﴿وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ﴾، وهو: النقل المصدق ﴿وَالْمِيزَانَ﴾، وهو: العدل. قاله مجاهد، وقتادة، وغيرهما، وهو الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة المخالفة للآراء السقيمة، كما قال: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾، وقال: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا﴾ وقال: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ﴾. ولهذا قال في هذه الآية: ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾، أي: بالحق والعدل، وهو اتباع الرسل فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا به، فإن الذي جاءوا به هو الحق الذي ليس وراءه حق، كما قال: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ [١] رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾. أي: صدقًا في الإِخبار، وعدلًا في الأوامر والنواهي، ولهذا يقول المؤمنون إذا تبرءوا غرف الجنات، والمنازل العاليات، والسرر المصفوفات: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾.

وقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾، أي: وجعلنا الحديد رَادعًا لمن أبى الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه؛ ولهذا أقام رسول اللَّه بمكة بعد النبوة [ثلاث عشرة] [٢] سنة توحى إليه السور المكية، وكلها جدال مع المشركين، وبيان وإيضاح للتوحيد، وتبيان ودلائل، فلما قامت الحجة على من خالف [٣] منهم [٤]، شرع اللَّه الهجرة، وأمرهم بالقتال بالسيوف، وضرب الرقاب والهام لمن خالف القرآن وكذب به وعانده.

وقد روى الإِمام أحمد وأبو داود، من حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن حسان بن عطية، عن [أبي المنيب] [٥] الجرشي الشامي، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللَّه : "بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد اللَّه وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم" (٦٢).

ولهذا قال تعالى: ﴿فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ يعني: السلاح، كالسيوف والحراب [٦]، والسنان


(٦٢) - أخرجه أحمد (٢/ ٥٠، ٩٢) (٥١١٤، ٥١١٥، ٥٦٦٧). وأبو داود في كتاب: اللباس، كتاب: في لبس الشهرة، حديث (٤٠٣١) (٤/ ٤٤). وفي إسناده عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان: صدوق يخطئ وتغير بأخرة. لكن للحديث طرق صحح بها الألباني هذا الحديث في الإرواء برقم (١٢٦٩) فراجعه. وقد صححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند.