للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال السدي في قوله: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيتًا﴾: زعم أن سلمان [١] الفارسي كان مع رجلين من أصحاب النبي [في سفر] [٢] يخدمهما ويخف لهما، وينال من طعامهما، وأن سلمان لما سار الناس ذات يوم وبقي سلمان نائمًا، لم يسر معهم، فجعل صاحباه يكلمانه [٣] فلم يجداه، فضربا الخباء فقالا: ما يريد سلمان -أو [٤]: هذا العبد- شيئًا غير هذا: أن يجيء إلى طعام مقدور، وخباء مضروب! فلما جاء سلمان أرسلاه إلى رسول الله يطلب لهما إدامًا، فانطلق فأتى رسول الله ومعه قَدَح له، فقال: يا رسول الله، بعثني أصحابي لتؤدمهم إن كان عندك؟ قال: "ما يصنع أصحابك بالأدم؟ قد ائتدموا". فرجع سلمان يخبرهما بقول رسول الله فانطلقا حتى أتيا رسول الله فقالا: لا، والذي بعثك بالحق ما أصبنا طعامًا منذ نزلنا. قال: "إنكما قد ائتدمتما بسلمان بقولكما". قال: ونزلت: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيتًا﴾، إنّه كان نائمًا (٨٦).

وروى الحافظ الضياء المقدسي [٥] في كتابه "المختارة" [٦] من طريق حَبَّان [٧] بن هلال، عن حماد [٨] بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك؛ قال: كانت العرب تخدم بعضها بعضًا في الأسفار، وكان مع أبي بكر وعمر رجل يخدمهما، فناما فاستيقظا ولم يهيئ لهما طعامًا، فقالا: إن هذا لنئوم [٩]؛ فأيقظاه فقالا له: ائت رسول الله فقل له أن أبا بكر وعمر يقرئانك السلام، ويستأدمانك. فقال: "إنهما قد ائتدما". فجاءا فقالا: يا رسول الله، بأي شيء ائتدمنا؟ فقال: "بلحم أخيكما، والذي نفسي بيده إني لأرى لحمه بين ثناياكما". فقالا: استغفر لنا يا رسول الله. فقال: "مرَاه فليستغفر لكما".

وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا الحكم [١٠] بن موسى، حدثنا محمَّد بن مسلم، عن


= أخرجه عبد بن حميد كما في "المنتخب" (ص ٣١٥) برقم (١٠٢٨).
وقد تابع فيه أبو سفيان وهو: طلحة بن نافع خالد بن عرفطة وهو صدوق، غير أنه من طريق إبراهيم بن الأشعث البخاري، إلا أن إبراهيم لم يتفرد به بل تابعه مسدد عند البخاري في الأدب المفرد (٧٣٣).
والحديث حسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد، وفي غاية المرام وقم (٤٢٩).
(٨٦) - أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره كما في الدر المنثور للسيوطي (٦/ ١٠٢).