للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورواه ابن أبي حاتم (٥٣) عن ابن أبزي [١] بنحوه. وهذا السياق فيه نظر، فإنه لا يجوز أن يكون عام الحديبية، لأن خالدًا لم يكن أسلم، بل قد كان طليعة المشركين يومئذ، كما ثبت في الصحيح. ولا يجوز أن يكون [في عمرة القضاء] [٢]؛ لأنهم قاضوه علي أن يأتي من العام المقبل [٣] فيعتمر ويقيم بمكة ثلاثة أيام، فلما قدم لم يمانعوه [٤] ولا حاربوه ولا قاتلوه. فإن قيل: فيكون يوم الفتح؟ فالجواب: ولا يجوز أن يكون يوم الفتح؛ لأنه لم يسق عام الفتح هَديًا [٥] وإنما جاء محاربًا مقلاتلًا في جيش عَرَمْرَم، فهذا السياق فيه خلل، وقد وقع فيه شيء فليتأمل، والله أعلم.

وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم، عن عكرمة مولى ابن عباس؛ أن قريشًا بعثوا أربعين رجلًا منهم أو خمسين، وأمروهم أن يُطفيُوا بعسكر رسول الله ليصبيوا من أصحابه أحدًا، فأخِذُوا أخذًا، فَأتي بهم رسولَ الله فعفا عنهم وخلَّى سبيلهم، وقد كانوا رَموا إلى عسكر رسول الله بالحجارة والنبل. قال ابن إسحاق: وفي ذلك أنزل الله: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيدِيَكُمْ عَنْهُمْ﴾ … الآية.

وقال قتادة (٥٤): ذُكر لنا أن رجلًا يقال له: "ابن زُنيم" اطلع علي الثنية من الحديبية، فرماه المشركون بسهم فقتلوه، فبعث رسول الله خيلًا فأتوه باثني عشر فارسًا من الكفار، فقال لهم: "هل لكم علي عهد؟ هل لكم علي ذمة؟ ". قالوا: لا. فأرسلهم، وأنزل الله في ذلك: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيدِيَكُمْ عَنْهُمْ﴾ … الآية.

﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (٢٥) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ


(٥٣) - سيرة ابن هشام (٣/ ٢٧١)، ومن طريق ابن إسحاق أخرجه الطبري في تفسيره (٢٦/ ٩٤).
(٥٤) - أخرجه الطبري في تفسيره (٢٦/ ٨٣)، وعزاه السيوطي أيضًا في الدر المنثور (٦/ ٨٣).