للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول تعالى مُحَقرًا لشأن الحياة الدنيا وزينتها، وما فيها من الزهرة والنعيم الفاني، بقوله: ﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أي: مهما حصلتم وجمعتم فلا تغتروا به، فإنما هو متاع الحياة الدنيا، وهي دار دنيئة فانية زائلة لا محالة، ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيرٌ وَأَبْقَى﴾ أي: وثواب الله خير من الدنيا، وهو باق سَرْمَديّ، فلا تقَدّموا الفاني على الباقي، ولهذا قال: ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي: [للذين صبروا] [١] على ترك الملاذ في الدنيا، ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ أي: ليعينهم على الصبر في أداء الواجبات وترك المحرميات.

ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ﴾ وقد قدمنا الكلام على الإثم والفواحش في "سورة الأعراف".

﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ أي: سجيتهم تقتضي الصفح والعفو عن الناس، ليس سجيتهم الانتقام من الناس.

وقد ثبت في الصحيح (٥٤): " أن رسول الله ما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك [٢] حرمات الله".

وفي حديث آخر (٥٥): كان يقول لأحدنا عند المعتبة: "ما له؟ تَربت [٣] جبينه [٤] ".

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن زائدة، عن منصور، عن إبراهيم قال: كان المؤمنون يكرهون أن يستذلوا، وكانوا إذا قدروا عفوا (٥٦).

وقوله: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ﴾ أي: اتبعوا رسله وأطاعوا أمره، واجتنبوا زجره، ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾، وهي أعظم العبادات لله ﷿ ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَينَهُمْ﴾ أي: لا يبرمون أمرًا حتى يتشاوروا فيه، ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب وما جرى مجراها، كما قال تعالى: ﴿وَشَاورْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ ولهذا كان يشاورهم في الحروب ونحوها، ليطيب بذلك [٥] قلوبهم. وهكذا لما حضرت عمر بن


(٥٤) - أخرجه البخاري في الأدب باب قول النبي : "يسروا ولا تعسروا" حديث رقم (٦١٢٦)، وفي المناقب حديث رقم (٣٥٦٠)، ومسلم في الفضائل حديث رقم (٢٣٢٧)، كلاهما من حديث عائشة به.
(٥٥) - أخرجه البخاري في الأدب من صحيحه، باب لم يكن النبي فاحشًا ولا متفحشًا، وفي باب ما ينهى عن السباب واللعن حديث رقم (٦٠٣١)، (٦٠٤٦).
(٥٦) - وعزاه في الدر إلى ابن أبي حاتم، وابن جرير الطبري، وابن المنذر، من هذا الوجه.