للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله ؟ قال: مر بهم ذات يوم فقالوا له [١]: أنت تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟ فقال: "أنا ذاك". فقاموا إليه، فأخذوا بمجامع ثيابه، فرأيتُ أبا بكر محتضنه من ورائه، وهم يصيح بأعلى صوته، وإن عينيه ليسيلان، وهو يقول: يا قوم، ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ﴾؟ حتى فرغ من الآية كلها.

وهكذا رواه النسائي من حديث عبدة، فجعله من مسند عمرو بن العاص، .

وقوله: ﴿وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ أي: كيف تقتلون رجلًا لكونه يقول: ﴿ربي الله﴾، وقد أقام لكم البرهان على صدق ماجاءكم به من الحق؟ ثم تنَزّل معهم في المخاطبة فقال: ﴿وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾، يعني: إذا لم يظهر لكم صحة ما جاءكم به، فمن العقل والرأي التام والحزم أن تتركوه ونفسه، فلا تؤذوه، فإن يك كاذبًا فإن الله سيجازيه على كذبه بالعقوبة في الدنيا والآخرة، وإن يك صادقًا وقد آذيتموه يصبكم بعض الذي يعدكم، فإنه يتوعدكم إن خالقتموه بعذاب في الدنيا والأخرى، فمنَ الجائز عندكم أن يكون صادقًا، فينبغي على هذا أن لا تتعرضوا له، بل اتركوه وقومه يدعوهم ويتبعونه.

وهكذا أخبر الله عن موسى أنه طلب من فرعون وقومه الموادعة في قوله: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨) وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (١٩) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ﴾. وهكذا قال رسول الله لقريش [٢] أن يتركوه يدعو إلى الله عبادَ الله، ولا يمسوه بسوء، وأن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة في ترك أذيته، قال الله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْرًا إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ أي: إلا أن لا تُؤذوني فيما بيني وبينكم من القرابة، فلا تؤذوني وتتركوا بيني وبين الناس. وعلى هذا وقعت الهدنة يوم الحديبية وكان فتحًا مبينًا.

وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ أي [٣]: لو كان هذا الذي يزعم أن الله أرسله إليكم كاذبًا كما تزعمون، لكان أمره بيِّنًا، يظهر لكل أحد في أقواله وأفعاله، كانت تكون في غاية الاختلاف والاضطراب، وهذا نرى أمره سديدًا ومنهجه مستقيمًا، ولو كان من المسرفين الكذابين لما هداه الله، وأرشده إلى ما ترون من انتظام أمره وفعله.

ثم قال المؤمن محذرًا قومه زوال نعمة الله عنهم [٤]، وحلول نقم [٥] الله بهم: ﴿يَاقَوْمِ


[١]- سقط من: خ.
[٢]- سقط من: خ.
[٣]- سقط من: ز.
[٤]- في ز: "عليهم".
[٥]- في خ: "نقمة".