لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ أي: قد أنعم الله عليكم بهذا الملك والظهور في الأرض بالكلمة النافذة والجاه العريض، فراعوا هذه النعمة بشكر الله، وتصديق رسوله ﷺ، واحذروا نقمة الله إن كذبتم رسوله، ﴿فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا﴾ أي [١]: لا تغني عنكم هذه الجنود وهذه العساكر، ولا ترد عنا شيئًا من بأس الله إن أرادنا بسوء.
﴿قَال فِرْعَوْنُ﴾ لقومه، رادًّا على ما أشار له هذا الرجل الصالح البار الراشد الذي كان [٢] أحق بالملك من فرعون: ﴿مَا أُرِيكُمْ إلا مَا أَرَى﴾ أي: ما أقول لكم وأشير عليكم إلَّا ما أراه لنفسي. وقد كذب فرعون، فإنه كان يتحقق صدق موسى فيما جاءه [٣] به من الرسالة ﴿قَال لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ﴾.
وقال الله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾.
فقوله: ﴿مَا أُرِيكُمْ إلا مَا أَرَى﴾: كذب فيه [٤] وافترى، وخان الله ورسوله ورعيته، فغشهم وما نصحهم. وكذا قوله: ﴿وَمَا أَهْدِيكُمْ إلا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ أي: وما أدعوكم إلَّا إلى طريق الحق والصدق والرشد. وقد كذب أيضًا ذلك، وإن كان قومه قد أطاعوه واتبعوه، قال الله تعالى: ﴿فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾. وقال تعالى: ﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾ وفي الحديث (٣٧): " ما من إمام يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا لم يرِح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسائة عام".
(٣٧) - رواه البخاري، باب: الأحكام، باب: من استُرْعِيَ رعية فلم ينصح (٧١٥٠، ٧١٥١)، ومسلم، كتاب: الإيمان، باب: استحقاق الوالي، الغاش لرعيته النار (٢٢٧، ٢٢٩) (١٤٢) من حديث معقل بن يسار مرفوعًا بلفظ: "ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يُحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة" وفي لفظ آخر: "ما من والٍ يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلَّا حرم الله عليه الجنة"، قال الحافظ في "الفتح" (١٣/ ١٢٧): "وفي رواية الطبراني من حدث عبد الله بن مغفل: وعرفها يوجد يوم القيامة من مسيرة سبعين عامًا" وفي إسناده هذه الرواية جهالة، كما قال شيخه الهيثمي في "المجمع" (٥/ ٢١٦) وقد وردت روايات متعددة في ذكر مسافة ريح الجنة، أقلها: "أربعون عامًا" وأعلاها "خمسمائة عام"، وقد ذكر هذه الروايات جميعًا الحافظ ابن حجر في "الفتح" (١٢/ ٢٦٠) ثم قال: "وهذا اختلاف شديد، وقد تكلم ابن بطال على ذلك فقال: "الأربعون" هي الأشد فمن بلغها زاد عمله ويقينه وندمه، فكأنه وجد ريح الجنة التي تبحثه على الطاعة، قال: والسبعون آخر المعترك، ويعرض عندها الندم وخشية هجوم الأجل فتزداد الطاعة بتوفيق الله فيجد ريحها من المده المذكورة، وذكر في الخمسمائة كلامًا متكلفًا حاصله أنها مدة الفترة التي بين كل نبي ونبي فمن جاء في آخرها وآمن بالنبيين يكون أفضل من غيره فيجد ريح الجنة، وقال الكرماني: يحتمل أن لا يكون العدد بخصوصه مقصودًا بل المقصود المبالغة في =