للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يسترهم؛ ولهذا قال: ﴿يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيءٌ﴾ أي: الجميع في علمه على السواء.

وقوله: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ قد تقدم في حديث [١] ابن عمر (٢٥): " أنَّه تعالى يطوي السماوات والأرض بيده، ثم يقول: أنا الملك، أنا الجبار، أنا المتكبر، أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ " وفي حديث الصور (٢٦): " أنه تعالى إذا قبض أرواح جميع خلقه، فلم يبق سواه، وحده لا شريك له، حينئذ يقول: لمن الملك اليوم؟ - ثلاث مرات - ثم يجيب نفسه قائلا: ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ أي: الذي هو وحده قد قهر كل شيء وغلبه.

[وقد قال] [٢] ابن أبي حاتم (٢٧): حدَّثنا محمد بن غالب الدقاق، حدَّثنا عبيد بن عبيدة، حدَّثنا معتمر، عن أبيه، حدَّثنا أبو نضرة، عن ابن عبَّاس قال: ينادي مناد بين يدي الساعة: يا أيها الناس، أتتكم الساعة. فيسمعها الأحياء والأموات، قال: وينزل الله إلى سماء الدنيا فيقول [٣]: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾.

وقوله: ﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾: يخبر تعالى عن عدله في حكمه بين خلقه، أنَّه لا يظلم مثقال ذرة من خير ولا من شر، بل يجزي بالحسنة عشر أمثالها، وبالسيئة واحدة، ولهذا قال: ﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾. كما ثبت في صحيح مسلم (٢٨)، عن أبي ذر، عن رسول الله فيما يحكي عن ربه ﷿ أنَّه قال: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا" إلى أن قال: "يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم [ثم أوفيكم إياها] [٤] فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومَنّ إلَّا نفسه".

وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ أي: يحاسب الخلائق كلهم، كما يحاسب نفسًا واحدة، كما قال: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ وقال: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾.


(٢٥) - تقدم تخريجه.
(٢٦) - تقدم تخريجه (سورة الأنعام / آية ٨٢).
(٢٧) - إسناده صحيح ومعتمر هو ابن سليمان التيمي.
(٢٨) - تقدم تخريجه (سورة يونس / آية ٤٤).