للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾. ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (١٠٧) قَال اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ وفي هذه الآية الكريمة تلطفوا في السؤال، وقدموا بين يدي كلامهم مُقدمة، وهي قولهم: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَينِ وَأَحْيَيتَنَا اثْنَتَينِ﴾ أي: قدرتك عظيمة، فإنك أحييتنا بعد ما كنا أمواتًا، ثم أمتنا ثم أحييتنا، فأنت قادر على ما تشاء، وقد [١] اعترفنا بذنوبنا، وإننا كنا ظالمين لأنفسنا في الدار الدنيا، ﴿فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ﴾ أي: فهل أنت مجيبنا [إلى أن تعيدنا] [٢] إلى الدار الدنيا؟ فإنك قادر على ذلك، لنعمل غير الذي كنا نعمل، فإن عدنا إلى ما كنا فيه فإنا ظالمون. فأجيبوا: أن لا سبيل إلى عودكم ومرجعكم إلى الدار الدنيا. ثم علل المنع من ذلك بأن سجاياكم لا تقبل الحق ولا تقتضيه بل تَجْحَده وتنفيه، ولهذا قال تعالى: ﴿ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا﴾ أي: أنتم هكذا تكونون، وإن رددتم إلى الدنيا، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ وقوله: ﴿فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ أي: هو الحاكم في خلقه، العادل الذي لا يجور، فيهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ويرحم [٣] من يشاء، ويعذب من يشاء، لا إله إلَّا هو.

وقوله: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾ أي: يظهر قدرته لخلقه بما يشاهدونه في خلقه العُلوي والسفلي في الآيات العظيمة الدالة على كمال خالقها ومبدعها ومنشئها، ﴿وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا﴾، وهو المطر الذي يخرج به من الزروع والثمار ما هو مشاهد بالحس، من اختلاف ألوانه وطعومه، وروائحه وأشكاله وألوانه، وهو ماء واحد، فبالقدرة العظيمة فاوت بين هذه الأشياء، ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ﴾ أي: يعتبر ويتفكر في هذه الأشياء ويستدل بها على عظمة خالقها ﴿إلا مَنْ يُنِيبُ﴾ أي: من [٤] هو بصير منيب إلى الله عَزَّ رجل.

وقوله: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ أي: فأخلصوا لله وحده العبادة والدعاء، وخالفوا المشركين في مسلكهم ومذهبهم.

قال الإِمام أحمد (٢٢): حدَّثنا عبد الله بن نمير، حدَّثنا هشام - يعني: ابن عروة بن


(٢٢) - " المسند" (٤/ ٤) ورواه مسلم، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة (١٣٩) (٥٩٤) ثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا أبي به. ورواه مسلم (١٤٠) وأَبو داود، كتاب: الصلاة، باب: ما يقوله الرجل إذا سلَّم (١٥٠٧)، والنسائي، كتاب: الصلاة، باب: عدد التهليل والذكر بعد التسليم (٣/ ٧٠) من طريق عبدة ثنا هشام به. ورواه أحمد (٥/ ٤) ومسلم وأَبو داود (١٥٠٦) والنسائي (٣/ ٦٩) من طريق الحجاج بن أبي عثمان، ومسلم أيضًا من طريق موسى بن عقبة كلاهما (الحجاج وموسى) عن أبي الزبير به.