للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال قَتَادة في قوله: ﴿لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ يقول: لمقتُ اللَّه أهلَ الضلالة حين عُرض عليهم الإِيمان في الدنيا، فتركوه وأَبوَا أن يقبلوه، أكبرُ مما مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب الله يوم القيامة.

وهكذا قال الحسن البصري، ومجاهد، والسدي، وذر بن عبد [١] الله الهَمْداني، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وابن [٢] جرير الطبري، .

وقوله: ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَينِ وَأَحْيَيتَنَا اثْنَتَينِ﴾ قال الثَّوري (٢١): عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود: هذه الآية كقوله تعالى: ﴿كَيفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيهِ تُرْجَعُونَ﴾. وكذا قال ابن عبَّاس، والضحاك، وقتادة، وأَبو مالك. وهذا هو الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية.

وقال السدي: أميتوا في الدنيا ثم أحيوا في قبورهم فخوطبوا، ثم أميتوا ثم أحيوا يوم القيامة.

وقال ابن زيد: أحيوا حين أخذ عليهم الميثاق من صلب آدم، ثم خلقهم في الأرحام، ثم أماتهم [ثم أحياهم] [٣] يوم القيامة.

وهذان القولان - من السدي، وابن زيد - ضعيفان، لأنه يلزمهما على ما قالا ثلاث إحياءات وإماتات. والصحيح قول ابن مسعود، وابن عبَّاس ومن تابعهما. والمقصود من هذا كله: أن الكفار يسألون الرجعة وهم وقوف بين يدي الله ﷿ في عرَصات القيامة، كما قال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾، فلا يجابون. ثم إذا رأوا النار وعاينوها ووقفوا عليها، ونظروا إلى ما فيها من العذاب والنَّكال، سألوا الرجعة أشد مما سألوا أول مرة، فلا يجابون، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَاليتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾. فإذا دخلوا النار وذاقوا مَسها وحسيسها ومقامعها وأغلالها، كان سُؤالهم للرجعة أشد وأعظمَ، ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ


(٢١) - رواه ابن جرير (٢٤/ ٤٧) من طريق عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان به، ورواه الفريابي كما في "الدر المنثور" (٢/ ٦٥٥) - ومن طريق الطبراني في "المعجم الكبير" (٩/ ٩٠٤٣) - والحاكم في "المستدرك" (٢/ ٣٤٧) من طريق إسرائيل أنبأ أَبو إسحاق به، وقال الحاكم: "حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وأعله الهيثمي في "المجمع" (٧/ ١٠٥) بشيخ الطبراني!! وهو متابع من غير واحد والخبر عزاه السيوطي أي في "الدر المنثور" إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.