للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ [١] اللَّيلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾. وهكذا ختم آية ﴿حم﴾ السجدة بقوله: ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾.

ثم قال: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ﴾، أي جعلناه يسير سيرًا آخر يستدل به على مضي [٢] الشهور، كما أن الشمس [بها يعرف] الليل والنهار، وكما قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾، وقال: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ … ﴾ الآية وقال: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيلَ وَالنَّهَارَ آيَتَينِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾. فجعل الشمس لها ضوء يخصها، والقمر له نور يخصه، وفاوت بين سير هذه وهذا، فالشمس تطلع كل يوم وتغرب في آخره على ضوء واحد، ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفا وشتاء، يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل، ثم يطول الليل ويقصر النهار، وجعل سلطانها بالنهار، فهي كوكب نهاري. وأما القمر فقدره منازل، يطلع في أول ليلة من الشهر ضئيلًا قليل النور، ثم يزداد نورًا في الليلة الثانية، و [يرتفع منزلة] [٣]، ثم كلما ارتفع ازداد ضياء، وإن كان مقتبسًا من الشمس، حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر، حتى يصير كالعرجون القديم.

قال ابن عباس: وهو أصل العذْق.

وقال مجاهد: العرجون القديم، أي: العذق اليابس.

يعني ابن عباس أصل العنقود من الرطب إذا عَتُق ويس وانحنى، وكذا قال غيرهما. ثم بعد هذا يبديه الله جديدا في أول الشهر الآخر، والعرب تسمى كل ثلاث ليال من الشهر باسم باعتبار القمر، فيسمون الثلاث الأول "غرَر" واللواتي بعدها "نُفَل" واللواتي بعدها "تسَع" لأن أخراهن التاسعة، واللواتى بعدها "عُشَر" لأن أولاهن [٤] العاشرة، واللواتى بعدها "البيض" لأن ضوء القمر فيهن إلى آخرهن، واللواتى بعدهن "دُرَع" جمع دَرعاء، وإن أولهن سُود، لتأخر القمر في أولهن، ومنه الشاة الدرعاء وهي التي رسها أسود. وبعدهن ثلاث "ظُلم" ثم ثلاث "حَنَادس". وثلاث "آدئ [٥] "، وثلاث "محَاق"، لانمحاق القمر أواخر الشهر فيهن. وكان أبو عبَيد [٦] ينكر التُسَع والعُشَر. كذا قال في كتاب "غريب المصنف".


[١]- في ز: "وجاعل" وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر.
[٢]- في ز، خ: "معنى".
[٣]- ما بين المعكوفتين في ز، خ: "ترتفع منزلته".
[٤]- في ز، خ: "أولهن".
[٥]- في خ، ز: "داري".
[٦]- في خ، ز: "عبيدة".