للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومعنى هذا: يا حسرتهم وندامتهم يوم القيامة إذا عاينوا العذاب، كيف كذبوا رسل الله، وخالفوا أمر الله، فإنهم كانوا في الدار الدنيا المكذبون منهم.

﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾، أي: يكذبونه ويستهزئون به، ويجحدون ما أرسل به من الحق.

ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيهِمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾، أي: ألم يتعظوا بمن أهلك الله قبلهم من المكذبين للرسل، كيف لم تكن لهم إلى هذه الدنيا كرة ولا رجعة، ولم يكن الأمر كما زعم كثير من جهلتهم وفَجَرتهم من قولهم: ﴿إِنْ هِيَ إلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا﴾، وهم القائلون بالدور من الدهرية، وهم الذين يعتقدون جهلًا منهم أنهم يعودون إلى الدنيا كما كانوا فيها، فرد الله تعالى عليهم باطلهم، فقال: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيهِمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾،

وقوله: ﴿وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَينَا مُحْضَرُونَ﴾، أي: وإن جميع الأمم الماضية والآتية ستحضر [١] للحساب يوم القيامة بين يدي الله ﷿، فيجازيهم بأعمالهم كلها خيرها وشرها، ومعنى هذه كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالهُمْ﴾. وقد اختلف القراء في أداء هذا الحرف، فمنهم من قرأ: ﴿وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا﴾ بالتخفيف، فعنده أن ﴿إِنَّ﴾ للإثبات [٢]، ومنهم من شدد ﴿لَمَّا﴾، وجعل ﴿إِنَّ﴾ نافية، و ﴿لَمَّا﴾ بمعنى إلا تقديره: وما كل إلا جميع لدينا محضرون، ومعنى القراءتين واحد، والله أعلم.

﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيتَةُ أَحْيَينَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (٣٥) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (٣٦)

يقول تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ﴾، أي: دلالة لهم على وجود الصانع وقدرته التامة وإحيائه الموتى ﴿الْأَرْضُ الْمَيتَةُ﴾، أي: إذا كانت ميتة هامدة لا شيء فيها من النبات، فإذا أنزل الله عليها الماء اهتزت وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج، ولهذا قال:


[١]- في ز، خ: "تستحضر".
[٢]- في ت: "لإثبات".