للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿أَحْيَينَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ﴾، أي: جعلناه رزقًا لهم ولأنعامهم، ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ﴾، أي: جعلنا فيها أنهارًا سارحة في أمكنة، يحتاجون إليها ليأكلوا من ثمره. لما امتن [١] على خلقه بإيجاد الزروع لهم عَطَف بذكر الثمار وتنوعها وأصنافها.

وقوله: ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيدِيهِمْ﴾، أي: وما ذاك كله إلا من رحمة الله بهم، لا بسعيهم ولا كدهم، ولا بحولهم ولا بقوتهم [٢]. قاله ابن عباس وقتادة. ولهذا قال: ﴿أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾، أي: فهلا يشكرونه على ما أنعم به عليهم في هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى. واختار ابن جرر -بل جرم به، ولم يحك غيره إلا احتمالًا- أن ﴿مَا﴾ قوله: ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيدِيهِمْ﴾، بمعنى ﴿الَّذِي﴾، تقدره: ليأكلوا من ثمره ومما عملته أيديهم أي: غرسوه ونصبوه قال: وهي كذلك في قراءة ابن مسعود: ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَممَا عَمِلَتْهُ أَيدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾.

ثم قال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ﴾، أي: من زروع وثمار ونبات، ﴿وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾، فجعلهم ذكرًا وأنثى، ﴿وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾، أي: من مخلوقات شتى لا يعرفونها، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيءٍ خَلَقْنَا زَوْجَينِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠)

يقول تعالى: ومن الدلالة لهم على قدرته -تعالى- العظيمة خَلَقَ الليل والنهار، هذا بظلامه وهذا بضيائه، وجعلهما يتعاقبان، يجيء هذا فيذهب هذا، ويذهب هذا فيجيء هذا، كما قال: ﴿يُغْشِي اللَّيلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾، ولهذا قال هاهنا: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ﴾، أي: نصرمه منه فيذهب، فيقبل الليل، ولهذا قال: ﴿فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾، كما جاء في الحديث: "إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم".

هذا هو الظاهر من الآية، وزعم قتادة أنها كقوله تعالى: ﴿يُولِجُ اللَّيلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيلِ﴾. وقد ضعف ابن جرير قولَ قتادة هاهنا، وقال: إنما معنى الإيلاج الأخذُ من هذا في هذا، وليس هذا مرادًا في هذه الآية وهذا الذي قاله ابن جرير حق.


[١]- في ت: "أمن".
[٢]- في ت: "وقوتهم".