للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن جرير (١٥): حدثنا ابن [١] حميد، أخبرنا سلمة [٢]، عن ابن إسحاق؛ قال: يزعمون أن عمرو بن عامر، وهو عم القوم كان كاهنًا، فرأى في كهانته أن قومه سَيمزَّقون ويباعَدُ بين أسفارهم. فقال لهم: إني قد [٣] علمت أنكم ستمزقون، فمن كان منكم ذا هَمٍّ بعيد وجمل شديد، ومَزَاد جَديد [٤]- فليلحق بكاس أو كرود. قال: فكانت وادعة بن عمرو. ومن كان منكم ذا هَمٍّ مُدْن، وأمر دَعْن، فليلحق بأرض شَنّ. فكانت عوف بن عمرو، وهم الذين يقال لهم: بارق. ومن كان منكم يريد عيشًا آنيا، وحرمًا آمنًا، فليلحق بالأرزين [٥]. فكانت خزاعة، ومن كان منكم يريد الراسيات في الوحل، والمطعمات في المحل، فليلحق بيثرب ذات النخل. فكانت الأوس والخزرج، وهما هذان الحيان من الأنصار. ومن كان منكم يريد خمرًا وخَميرا، وذهبًا وحريرًا، وملكا وتأميرًا، فليلحق بكُوثى وبُصرى، فكانت غسان بنو جَفنة ملوكُ الشام. ومن كان منهم بالعراق.

قال ابن إسحاق: وقد سمعت بعض أهل العلم يقول: إنما قالت [٦] هذه المقالة طريفةُ امرأة عمرو بن عامر، وكانت كاهنة، فرأت في كهانتها ذلك [٧]، فاللَّه أعلم أي ذلك كان.

وقال سعيد، عن قتادة، عن الشعبي: أما غسان فلحقوا بالشام، وأما الأنصار فلحقوا بيثرب، وأما خزاعة فلحقوا بتهامة، وأما الأزد فلحقوا بعمان فمزقهم اللَّه كل ممزق. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير.

ثم قال محمد بن إسحاق: حدثني أبو عبيدة؛ قال: قال الأعشى -أعشى بني قيس بن ثعلبة- واسمه: ميمون بن قيس.

وَفي ذَاكَ [٨] للمُؤْتَسي [٩] أسْوَةٌ … ومَأربُ عَفَّى عليها العَرمْ

رُخَام بَنَتْهَ لَهْمُ حِمْيرُ … إذا جاءَ مَوَّارهُ لم يَرِمْ

فَأرْوَى الزّرُوعَ وَأعنَابَها … عَلَى سَعَةٍ مَاؤهُمْ إذْ قُسِمْ

فَصَارُوا أيَادي مَا يَقْدرُو … نَ منْه علَى شُربِ طِفْلٍ فُطِم (١٦)

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾، أي: إن في هذا الذي حل


(١٥) تفسير الطبري (٢٢/ ٨٦).
(١٦) السيرة النبوية لابن هشام (١/ ١٤).