هذا أثر غريب عجيب، وهذا الكاهن هو عمرو بن عامر أحد روُساء اليمن وكبراء سبأ وكهانهم.
وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار في أول السيرة ما كان من أمر [عمرو بن][١] عامر الذي كان أول من خرج من بلاد اليمن، بسبب استشعاره بإرسال العَرم فقال: وكان سبب خروج عمرو بن عامر من اليمن -فيما حدثني أبو زيد الأنصاري- أنه رأى جرذًا يَحفرُ [٢] في سد مأرب، الذي كان يحبس عنهم الماء فيصرفونه حيث شاءوا من أرضهم، فعلم أنه لا بقاء للسد على ذلك، فاعتزم على النَّقْلة عن اليمن فكاد [٣] قومه، فأمر أصغر أولاده إذا أغلظ له ولطمه أن يقوم إليه فيلطمه، ففعل ابنه ما أمره به، فقال عمرو: لا أقيم ببلد لَطَم وجهى فيها [٤] أصغر ولدي. وعرض أمواله، فقال أشراف من أشراف اليمن: اغتنموا غَضْبَةَ عمرو. فاشتروا منه أمواله. وانتقل في ولده وولد ولده. وقالت الأزد [٥]: لا نتخلف عن عمرو بن عامر. فباعوا أموالهم، وخرجوا [معه فساروا][٦] حتى نزلوا بلاد "عك"[٧] مجتازين يرتادون البلدان، فحاربتهم عك، وكانت [٨] حربهم سجَالًا. ففي ذلك يقول عباس بن مرداس السلمي:
وَعَكّ بنُ عَدنَانَ الذين تَغَلَّبُوا … بَغَسَّانَ، حتى طُرّدُوا كُلّ مَطْرَد
وهذا البيت من [٩] قصيدة له.
قال: ثم ارتحلوا عنهم فتفرقوا في البلاد، فنزل [١٠] آل جفنة بن عمرو بن عامر الشام، ونزلت الأوس والخزرج يثرب، ونزلت خزاعة مَرَّا. ونزلت أزد السواة السراة [١١]، ونزلت أزد عُمَان عُمَان، ثم أرسل اللَّه على السد السيل فهدمَه، وفي ذلك أنزل اللَّه ﷿ هذه الآيات (١٤)[١٢].
وقد ذكر السدي قصة عمرو بن عامر بنحو ما [١٣] ذكر محمد بن إسحاق، إلا أنه قال:"فأمر ابن أخيه"، مكان "ابنه"، إلى قوله:"فباع ماله وارتحل بأهله، فتفرقوا". رواه ابن أبي حاتم.