للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خبرهم، وكيف مكر اللَّه بهم، وفرق شملهم بعد الاجتماع والألفة والعيش الهنيء، تفرقوا في البلاد هاهنا وهاهنا؛ ولهذا تقول العرب في القوم إذا تفرقوا: "تفرقوا أيدي سبأ" "وأيادي سبأ" و"تفرقوا شَذَرَ مَذَرَ".

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان، حدثنا إبراهيم بن حبيب ابن الشهيد، سمعت أبي يقول: سمعت عكرمة يحدث بحديث أهل سبأ، قال: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإ فِي مَسْكَنِهِمْ [١] آيَةٌ جَنَّتَانِ﴾ إلى قوله: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيهِمْ سَيلَ الْعَرِمِ﴾: وكانت فيهم كهنة، وكانت الشياطين يسترقون السمع، فأخبروا الكهنة بشيء من أخبار السماء، فكان فيهم رجل كاهن شريف كثير المال، وإنه خُبّر أن زوال أمرهم قد دنا، وأن العذاب قد أظلهم. فلم يدر كيف يصنع، لأنه كان له مال كثير من عقار [٢]، فقال لرجل من بنيه -وهو أعزهم أخوالًا-: إذا كان غدًا وأمرتك بأمر فلا تفعل، فإذا انتهرتك فانتهرني، فإذا تناولتك فالطمني. فقال: يا أبت؛ لا تفعل، إن هذا أمر عظيم، وأمر شديد. قال: يا بني؛ قد حديث أمر لا بد منه.

فلم يزل به [٣] حتى وافاه على ذلك. فلما أصبحوا واجتمع الناس، قال: يا بني؛ افعل كذا وكذا. فأبى، فانتهره أبوه، فأجابه، فلم يزل ذلك بينهما حتى تناوله أبوه، فوثب على أبيه فلطمه، فقال: ابنى يلطمني؟. عَلَي بالشفرة، قالوا: وما تصنع بالشفرة؟ قال: أذبحه. قالوا: تذبح ابنك؟! الطمه [٤] أواصنع ما بدا لك. قال: فأبى، قال: فأرسلوا إلى أخواله فأعلموهم [٥] ذلك، فجاء أخواله فقالوا: خذ منا ما بدا لك. فأبى إلا أن يذبحه. قالوا: فلتموتن قبل أن تذبحه. قال: فإذا كان الحديث هكذا فإني لا أرى أن أقيم ببلد يحال بيني وبين ولدي فيه، اشتروا مني دوري، اشتروا مني أرضى. فلم يزل حتى باع دوره وأراضيه وعقاره، فلما صار الثمن في يده وأحرزه [٦]، قال: أي قوم؛ إن العذاب قد أظلكم، وزوال أمركم قد دنا، فمن أراد منكم دارًا جديدًا، وجملًا شديدًا، وسفرًا بعيدًا، فليلحق بعمان. ومن أراد منكم الخمر والخَمير والعَصير وكلمة، -قال إبراهيم: لم أحفظها- فليلحق ببصْرَى، ومن أراد الراسخات في الوحل، والمطعمات في المحل، القيمات في الضحل [٧]، فليلحق بيثرب ذات نخل. فأطاعه قومه، فخرج أهل عمان إلى عمان. وخرجت غسان إلى بصرى. وخرجت الأوس والخزرج وبنو عثمان إلى يثرب ذات النخل. قال: فأتوا على بطن مر فقال بنو عثمان: هذا مكان صالح، لا نبغي به بدلًا. فأقاموا به، فسموا لذلك خزاعة؛ لأنهم انخزعوا من أصحابهم، واستقامت الأوس والخزرج حتى نزلوا المدينة، وتوجه أهل عمان إلى عمان وتوجهت غسان إلى بصرى.


[١]- في ز: "مساكنهم".
[٢]- في ز: "عقر".
[٣]- سقط من: خ، ز.
[٤]- في ز: "للطمة".
[٥]- في ز: "فاعلموه".
[٦]- سقط من: خ، ز.
[٧]- في ز: "الفحل".