للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إلا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠)

يذكر تعالى ما كانوا فيه من الغبطة والنعمة، والعيش الهني الرغيد، والبلاد الرخية، والأماكن الآمنة، والقرى المتواصلة المتقاربة، بعضها من بعض، مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها، بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حَمل زاد، لا ماء، بل حيث نزل وجد ماء وثمرًا، ويَقيل في قرية ويبيت في أخرى، بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَينَهُمْ وَبَينَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ - قال وهب بن منبه: هي قرى بصنعاء. وكذا قال أبو مالك.

وقال مجاهد، والحسن، وسعيد بن جبير، ومالك عن زيد بن أسلم، وقتادة، والضحاك، والسدي، وابن زيد، وغيرهم: يعني قرى الشام. يعنون أنهم كانوا يسيرون من [١] اليمن إلى الشام في قرى ظاهرة متواصلة [٢].

وقال العوفي، عن ابن عباس: القرى التي باركنا فيها بيت المقدس.

وقال العوفي، عنه أيضًا: هي قرى عربية بين المدينة والشام.

﴿قُرًى ظَاهِرَةً﴾، أي: بينة واضحة، يعرفها المسافرون، يَقيلون في واحدة، ويبيتون في أخرى؛ ولهذا قال: ﴿وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيرَ﴾، أي: جعلناها بحسب ما يحتاج المسافرون إليه، ﴿سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾، أي: الأمن حاصل لهم في سيرهم ليلًا ونهارًا.

﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَينَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ - وقرأ آخرون: ﴿بَاعِدْ بَينَ أَسْفَارِنَا﴾ - وذلك أنهم بَطروا هذه النعمة -كما قاله ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وغير واحد- وأحبُّوا مفاوز ومهامه يحتاجون في قطعها إلى الزاد والرواحل والسير في الحَرُور والخاوف، كما طلب بنو إسرائيل من موسى أن يخرج اللَّه لهم مما تنبت الأرض، من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها، مع أنهم كانوا في عيش رغيد في مَنّ وسلوى وما يشتهون من [مآكل ومشارب] [٣] وملابس مرتفعة، ولهذا قال لهم: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا﴾. وقال تعالى: ﴿وَ [٤] ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ [الْجُوعِ وَالْخَوْفِ] بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾. وقال في حق هؤلاء: ﴿وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾، أي: بكفرهم، ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾، أي: جعلناهم حديثًا للناس، وسَمَرًا يتحدثون به من


[١]- في ز: "بين".
[٢]- سقط من: ز.
[٣]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ، ز.
[٤]- سقط من: ز.