للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آدم، فلم يطقنها. فقال لآدم: إني قد عرضتُ الأمانةَ على السماوات والأرض والجبال فلم يطقنها، فهل أنت آخذ بما فيها؟ قال: يا رب، وما فيها؟ قال: إن أحسنت جزيت، وإن أسأت عوقبت. فأخذها آدم فتحملها، وذلك [١] قوله: ﴿وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: الأمانة: الفرائض، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال إن أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم [لله] [٢]، فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيمًا لدين الله أن لا يقوموا بها، ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها، وهو قوله: ﴿وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾، يعني: غِرًّا بأمر الله.

وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَينَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا﴾. قال: عرضت على آدم فقال: خذها بما فيها، فإن أطعت غَفَرتُ لك، وإن عَصَيت عذبتك. قال: قبلت. فما كان إلا قدر ما بين العصر إلى الليل من ذلك اليوم، حتى أصاب الخطيئة.

وقد روى الضحاك، عن ابن عباس، قريبًا من هذا. وفيه نظر وانقطاع بين الضحاك وبينه، والله أعلم. وهكذا قال مجاهد، وسعيد بن جبير، والضحاك، والحسن البصري، وغير واحد: إن الأمانة هي الفرائض.

وقال آخرون: هي الطاعة.

وقال الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق: قال أبي بن كعب: من الأمانة [أن المرأة] [٣] اؤتمنت على فرجها.

وقال قتادة: الأمانة الدين والفرائض والحدود.

وقال بعضهم: الغسل من الجنابة.

وقال مالك، عن زيد بن أسلم قال: الأمانة ثلاثة: الصلاة، والصوم، والاغتسال من الجنابة.

وكل هذه الأقوال لا تنافي بينها، بل هي متفقة وراجعة إلى أنها التكليف، وقبول الأوامر والنواهي بشرطها، وهو أنه إن قام بذلك أثيب، وإن تركها عُوقِبَ، فقبلها الإنسان على ضعفه وجهله وظلمه، إلا من وفق الله، وبالله المستعان.


[١]- في ت: "فذلك".
[٢]- سقط من ت.
[٣]- ما بين المعكوفتين سقط من: ز، خ.