للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سيبديها ويظهرها بلطف علمه، كما قال الإِمام أحمد:

حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دَرَّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله قال: "لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء، ليس لها باب ولا كُوَّة، لخرج [١] عمله للناس كائنًا ما كان" (٨).

ثم قال: ﴿يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ﴾، أي: بحدودها وفروضها وأوقاتها، ﴿وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾، أي: بحسب طاقتك وجهدك، ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾. علم أن الآمر بالمعروف الناهى عن المنكر، لا بد أن يناله من الناس أذى، فأمره بالصبر.

وقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ أي: إن الصبر على أذى الناس لمن [٢] عزم الأمور.

وقوله: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾، يقول: لا تُعرضْ بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك، احتقارًا منك لهم، واستكبارًا عليهم. ولكن ألن جانبك، وابسط وجهك إليهم، كما جاء في الحديث: "ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة، والمخيلة لا يحبها الله" (٩).

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾، يقول: لا تتكبر فتحقر عباد الله وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك. وكذا روى العوفي وعكرمة عنه.

وقال مالك عن زيد بن أسلم: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ لا تَكَلَّم وأنت معرض، وكذا رُوي عن مجاهد، وعكرمة، ويزيد بن الأصم، وأبي الجوزاء، وسعيد بن جبير، والضحاك، وابن زيد، وغيرهم.

وقال إبراهيم النخعي: يعني بذلك التشديق في الكلام.

والصواب القول الأول.

قال ابن جرير: وأصل الصّعَر داء يأخذ الإِبل في أعناقها أو رءوسها، حتى تُلفَتَ [٣] أعناقُها عن رءوسها، فشبه به الرجل المتكبر [٤]، ومنه قول عمرو بن حُنيّ التغلبي:

وَكُنَّا إذَا الجبَّارُ صَعّر خَدّه … أقَمنَا لَهُ مِنْ مَيلِه فَتَقوّمَا


(٨) - سبق تخريج هذا الحديث في سورة التوبة الآية رقم (١٠٥).
(٩) - سبق تخريج هذا الحديث في سورة النمل الآية رقم (٦٢).