هذه وصايا نافعة قد حكاها الله تعالى عن لقمان الحكيم، ليمتثلها الناس ويقتدوا بها، فقال: ﴿يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَال حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ﴾، أي: إن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة خردل. وجوز بعضهم أن يكون الضمير في قوله: ﴿إِنَّهَا﴾ ضمير الشأن والقصة. وجوز على هذا رفع ﴿مِثْقَال﴾ والأول أولى.
وقوله: ﴿يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾، أي: أحضرها الله يوم القيامة حين يضع الموازين القسط، وجازى عليها إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر. كما قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَال حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَينَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾. وقال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ ولو كانت تلك الذرة محصنة محجبة في داخل صخرة صماء، أو غائبة [١] ذاهبة في أرجاء السماوات أو الأرض، فإن الله يأتي بها، لأنه لا تخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولهذا قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾، أي: لطيف العلم، فلا تخفى عليه الأشياء وإن دقت ولطفت وتضاءلت، ﴿خَبِيرٌ﴾ بدبيب النمل في الليل البهيم.
وقد زعم بعضهم أن المراد بقوله: ﴿فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ﴾، أنها صخرة تحت الأرضين السبع، ذكره السدي بإسناده ذلك المطروق عن ابن عباس وابن مسعود وجماعة من الصحابة إن صح ذلك، ويروى هذا عن عطية العوفي، وأبي مالك، والثوري، والمنهال بن عمرو، وغيرهم. وهذا والله أعلم، كأنه متلقى من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب، والظاهر - والله أعلم - أن المراد أن هذه الحبة في حقارتها لو كانت داخل صخرة فإن الله