للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعنى الأول؛ ولهذا قال الله -تعالى- رادًّا عليه فيما ادعاه من اعتناء الله به فيما أعطاه من المال: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا﴾، أي: قد كان من هو أكثر منه مالًا وما كان ذلك عن محبة منا له، وقد أهلكهم الله مع ذلك بكفرهم وعدم شكرهم؛ ولهذا قال: ﴿وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾، أي: لكثرة ذنوبهم.

قال قتادة: ﴿على علم عندي﴾ علي خير عندي: وقال السديُّ: علي عدم أني أهل لذلك.

وقد أجاد في تفسير هذه الآية الإمام عبد الرحمن بي زيد بن أسلم، فإنه قال في قوله: ﴿قَال إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَي عِلْمٍ عِنْدِي﴾ قال: لولا رضا الله عني، ومعرفته بفضلي، ما أعطاني هذا المال، وقرأ: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾.

﴿فَخَرَجَ عَلَي قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَال الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَاليتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩) وَقَال الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إلا الصَّابِرُونَ (٨٠)

يقول تعالى مخبرًا عن قارون: إنه خرج ذات يوم علي قومه في زينة عظيمة، وتجمل باهر، من مراكب وملابس عليه وعلي خدمه وحشمه، فلما رآه من يريد الحياة الدنيا ويميل إلي زخرفها وزينتها، تمنوا أن لو كان لهم مثل الذي أعطي، قالوا ﴿يَاليتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾، أي: ذو حظ وافز من الدنيا. فلما سمع مقالتهم أهل العلم النافع قالوا لهم: ﴿وَيلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾، أي: جزاء الله لعباده المؤمنين الصالحين في الدار الآخرة خير مما ترون.

[كما في الحديث الصحيح: "يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. واقرءوا إن شئتم: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ "] [١] (٣٦).


(٣٦) صحيح مسلم برقم (٢٨٢٤).