للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُجْرِمُونَ﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن جواب قارون لقومه، حين نصحوه وأرشدوه إلي الخير، ﴿قَال إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ أي: أنا لا أفتقر إلي ما تقولون، فإن الله تعالى إنما أعطاني هذا المال لعلمه بأني أستحقه، ولمحبته لي، فتقديره [١]: إنما أعطته لعلم الله في أنّي أهل له، [وهذا] [٢] كقوله تعالى: ﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَال إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ﴾، [أي: علي علم من الله بي] [٣]، وكقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي﴾ أي: هذا أستحقه.

وقد رُوي عن بعضهم أنه أراد: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾، أي: إنه كان يعاني علم الكيمياء. وهذا القول ضعيف، لأن علم الكيمياء في نفسه علم باطل، لأن قلب الأعيان لا يقدر أحد عليها إلا الله ﷿، قال الله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَو اجْتَمَعُوا له﴾.

وفي الصحيح عن النبي أنه قال: "يقول الله تعالى ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، فليخلقوا شعيرة" (٣٥). وهذا ورد في المصورين [٤] الذين يشبهون بخلق الله في مجرد الصورة الظاهرة أو الشكل، فكيف بمن يدعي أنه يحيل ماهية هذه الذات إلي ماهية ذات أخرى، هذا زور ومحال، وجهل وضلال. وإنما يقدرون علي الصبغ في الصورة الظاهرة، وهو كذب وزغل وتمويه، وترويج أنه صحيح في نفس الأمر، وليس كذلك قطعًا لا محالة، ولم يثبت بطريق شرعي أنه صح مع أحد من الناس من هذه الطريقة التي يتعاناها هؤلاء الجهلة الفسقة الأفاكون، فأما ما يجريه الله -تعالى- من خَرْق العوائد علي يدي بعض الأولياء من قلب بعض الأعيان ذهبًا أو فضة أو نحو ذلك، فهذا أمر لا ينكره مسلم، ولا يرده مؤمن، ولكن هذا ليس من قبيل الصناعات، وإنما هذا عن مشيئة رب الأرض والسماوات، واختياره وفعله، كما روي عن حَيوة بن شُريح المصري أنه سأله سائل، فلم يكن عنده ما يعطيه ورأي ضرورته، فأخذ حصاة من الأرض فأجالها في كفه، ثم ألقاها إلي ذلك السائل فإذا هي ذهب أحمر. والأحاديث والآثار كثيرة جدًّا يطول ذكرها.

وقال بعضهم: إن قارون كان يعلم الاسم الأعظم، فدعا الله به [٥] فتموّل بسببه. والصحيح


(٣٥) صحيح البخاري برقم (٥٩٥٣)، وصحيح مسلم برقم (٢١١١).