للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخالفنا مَنْ حولنا من أحياء العرب المشركين، أن يقصدونا بالأذى والمحاربة، ويتخطونا أينما كنا، فقال الله تعالى مجيبًا لهم: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا﴾ يعني: هذا الذي اعتذروا به كذب وباطل؛ لأن الله جعلهم في بلد أمين وحَرَم معظم آمن [١] منذ وُضع، فكيف يكون هذا الحرم آمنًا [لهم] [٢] في حال كفرهم وشركهم، ولا يكون آمنًا لهم وقد أسلموا وتابعوا الحق؟!

وقوله: ﴿يُجْبَى إِلَيهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيءٍ﴾، [أي: من سائر الثمار مما حوله من الطائف وغيره، وكذلك المتاجر والأمتعة] [٣] ﴿رزقا من لدنا﴾، أي: من عندنا، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ فلهذا قالوا ما قالوا.

وقد قال النسائي: أنبأنا الحسن بن محمد، حدثنا حجاج [٤]، عن ابن جُريج، أخبرني ابن أبي مُليكة، قال: قال عمرو بن شعيب، عن ابن عباس -ولم يسمعه منه-: إن الحارث بن عامر بن نوفل الذي قال: ﴿إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ (٣٣).

﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إلا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (٥٨) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (٥٩)

يقول تعالى مُعَرِّضًا بأهل مكة في قوله: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا﴾، أي: طغت وأشرت [٥] وكفرت نعمة الله، فيما أنعم به عليهم من الأرزاق، كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (١١٣)﴾ ولهذا قال: ﴿فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إلا قَلِيلًا﴾ أي: دثرت ديارهم، فلا ترى إلا مساكنهم.

وقوله: ﴿وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ﴾ أي: رجعت خرابًا، ليس فيها أحد. وقد ذكر ابن أبي


(٣٣) النسائي في السنن الكبرى يرقم (١١٣٨٥).