للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣)﴾] [١]

﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦) وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٥٧)

يقول تعالى لرسوله : إنك يا محمد ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ أي: ليس إليك ذلك، إنما عليك البلاغ، والله يهدي من يشاء، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة، كما قال تعالى: ﴿لَيسَ عَلَيكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ وقال: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾.

وهذه الآية أخص من هذا كله فإنه قال: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦)﴾ أي: هو أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغَوَاية، وقد ثبت في الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب عَمّ رسول الله وقد كان يَحُوطه وينصره، ويقوم في صفه يحبه حبًّا طَبَعِيًّا لا شرعيًّا، فلما حضرته الوفاة وحان أجله، دعاه رسول الله- إلي الإِيمان والدخول في الإِسلام فسبق التهدر فيه، واختطُف من يده، فاستمر علي ما كان عليه من الكفر، ولله الحكمة [٢] التامة.

قال الزهري: حدثني سعيد بن المسيب، عن أبيه -وهو المسيب بن حزْن المخزومي قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله ، فوجد عنده أبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله : "يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله". فقال أبو جهل، وعبد الله بن أبي [٣] أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله يعرضها عليه، ويعودان له بتلك المقالة، حتى قال آخر ما قال: هو علي ملة عبد المطلب. وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. فقال رسول الله : "أما لأستغفرن لك ما لم أنه عنك". فأنزل الله ﷿: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى﴾، [وأنزل] [٤] في أبي طالب: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ


[١]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ، ز.
[٢]- في خ، ز: "الحجة".
[٣]- سقط من: خ.
[٤]- في ت: "وأنزل الله".