الله في النفقات الواجبة لأهلهم وأقاربهم والزكاة المفروضة والمستحبة من التطوعات وصدقات النفل والقربات.
وقوله: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ﴾، أي: لا يخالطون أهله ولا يعاشرونهم [١] بل كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْو مَرُّوا كِرَامًا﴾.
﴿وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ أي: إذا سَفه عليهم سَفيه، وكلَّمهم بما لا يَليق بهم الجوابُ عنه، أعرضوا عنه ولم يقابلوه بمثله من الكلام القبيح ولا يصدر عنهم إلا كلام طيب؛ ولهذا قال عنهم: إنهم قالوا: ﴿لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (٥٥)﴾ أي [٢]: لا نُريد طَريق الجاهلين ولا نحبّها.
قال محمد بن إسحاق في السيرة: ثم قدم علي رسول الله، ﷺ، وهو بمكة عشرون رجلًا، أو قريب من ذلك، من النصارى، حين بلغهم خبره من الحبشة؛ فوجدوه في المسجد، فجلسوا إليه وكلموه وساءلوه- و [٣] رجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة - فلما فرغوا من مساءلة رسول الله عما أرادوا، دعاهم إلي الله وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا وآمنوا به وصدقوه، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره. فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش، فقالوا لهم: خيبكم الله من ركب! بعثكم مَنْ وراءكم مِنْ أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم [٤] بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال، ما نعلم ركبًا أحمق منكم -أو كما قالوا لهم- فقالوا: سلام عليكم، لا نجاهلكم، لنا ما نحن عليه، ولكم ما أنتم عليه، لم نَألُ أنفسنا خيرًا (٢٨).
قال: ويقال: إن النفر النصارى من أهل نجران، فالله أعلم، أيّ ذلك كان. قال: ويقال -والله أعلم-: إنّ فيهم نزلت هذه الآيات ﴿الَّذِينَ آتَينَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢)﴾ إلي قوله: ﴿لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾.
قال: وقد سألت الزهري عن هذه الآيات فيمن أنْزلْن [٥]؟ فقال [٦]: ما زلتُ أسمع من علمائنا أنهنّ أنزلنَ في النجاشي وأصحابه ﵃ والآيات التي في سورة المائدة: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا﴾ إلي قوله: ﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾